العدل هو كل مفروض، من عقائد وشرائع في أداء الأمانات، وترك الظلم والانصاف، وإعطاء الحق. والاحسان هو فعل كل مندوب إليه، فمن الأشياء ما هو كله مندوب إليه، ومنها ما هو فرض، إلا أن حد الاجزاء منه داخل في العدل، والتكميل الزائد على الاجزاء داخل في الاحسان. وأما قول ابن عباس ففيه نظر، لان أداء الفرائض هي الاسلام حسبما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سؤال جبريل، وذلك هو العدل، وإنما الاحسان التكميلات والمندوب إليه حسبما يقتضيه تفسير النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سؤال جبريل بقوله: " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". فإن صح هذا عن ابن عباس فإنما أراد الفرائض مكملة. وقال ابن العربي: العدل بين العبد وبين ربه إيثار حقه تعالى على حظ نفسه، وتقديم رضاه على هواه، والاجتناب للزواجر والامتثال للأوامر. وأما العدل بينه وبين نفسه فمنعها مما فيه هلاكها، قال الله تعالى: " ونهى النفس عن الهوى (1) " وعزوب (2) الأطماع عن الاتباع، ولزوم القناعة في كل حال ومعنى. وأما العدل بينه وبين الخلق فبذل النصيحة، وترك الخيانة فيما قل وكثر، والانصاف من نفسك لهم بكل وجه، ولا يكون منك إساءة إلى أحد بقول ولا فعل لا في سر ولا في علن، والصبر على ما يصيبك منهم من البلوى، وأقل ذلك الانصاف وترك الأذى.
قلت: هذا التفصيل في العدل حسن وعدل، وأما الاحسان فقد قال علماؤنا: الاحسان مصدر أحسن يحسن إحسانا. ويقال على معنيين: أحدهما متعد بنفسه، كقولك: أحسنت كذا، أي حسنته وكلمته، وهو منقول بالهمزة من حسن الشئ. وثانيهما متعد بحرف جر، كقولك: أحسنت إلى فلان، أي أوصلت إليه ما ينتفع به.
قلت: وهو في هذه الآية مراد بالمعنيين معا، فإنه تعالى يحب من خلقه إحسان بعضهم إلى بعض، حتى أن الطائر في سجنك والسنور في دارك لا ينبغي أن تقصر تعهده بإحسانك، وهو تعالى غنى عن إحسانهم، ومنه الاحسان والنعم والفضل والمنن. وهو في حديث جبريل