وقال تعالى: " وانظر إلى العظام كيف ننشزها (1) "، وقال: " فكسونا العظام لحما (2) "، وقال:
" أئذا كنا عظاما نخرة (3) " فالأصل هي العظام، والروح والحياة فيها كما في اللحم والجلد.
وفى حديث عبد الله بن عكيم: " لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ". فإن قيل:
قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى اله عليه وسلم قال في شاة ميمونة: " ألا انتفعتم بجلدها "؟
فقالوا: يا رسول الله، إنها ميتة. فقال: " إنما حرم أكلها " والعظم لا يؤكل. قلنا:
العظم يؤكل، وخاصة عظم الحمل (4) الرضيع والجدي والطير، وعظم الكبير يشوى ويؤكل.
وما ذكرناه قبل يدل على وجود الحياة فيه، وما كان طاهرا بالحياة ويستباح بالذكاة ينجس بالموت. والله أعلم.
الرابعة - قوله تعالى - (من جلود الانعام) عام في جلد الحي والميت، فيجوز الانتفاع بجلود الميتة وإن لم تدبغ، وبه قال ابن شهاب الزهري والليث بن سعد. قال الطحاوي:
لم نجد عن أحد من الفقهاء جواز بيع جلد الميتة قبل الدباغ إلا عن الليث. قال أبو عمر:
يعنى من الفقهاء أئمة الفتوى بالامصار بعد التابعين، وأما ابن شهاب فذلك عنه صحيح، وهو قول أباه جمهور أهل العلم. وقد روى عنهما خلاف هذا القول، والأول أشهر.
قلت: قد ذكر الدارقطني في سننه حديث يحيى بن أيوب عن يونس وعقيل عن الزهري، وحديث بقية عن الزبيدي، وحديث محمد بن كثير العبدي وأبى سلمة المنقري عن سليمان بن كثير عن الزهري، وقال في آخرها: هذه أسانيد صحاح.
السادسة (6) - اختلف العلماء في جلد الميتة إذا دبغ هل يطهر أم لا، فذكر ابن عبد الحكم عن مالك ما يشبه مذهب ابن شهاب في ذلك. وذكره ابن خويز منداد في كتابه عن ابن عبد الحكم أيضا. قال ابن خويز منداد: وهو قول الزهري والليث. قال: والظاهر من مذهب مالك ما ذكره ابن عبد الحكم، وهو أن الدباغ لا يطهر جلد الميتة، ولكن يبيح الانتفاع به في الأشياء اليابسة، ولا يصلى عليه ولا يؤكل فيه. وفى المدونة لابن القاسم: