من مكة مهاجرا هاربا من قومه فارا بدينه مع صاحبه أبى بكر حتى لحقا بغار في جبل ثور، فمكنا (1) فيه ثلاث ليال يبيت عندهما فيه عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف (2) لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فيسمع أمرا يكادان (3) به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبى بكر منحة (4) من غنم فيريحها عليهما حتى تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل، وهو لبن منحتهما ورضيفهما (5) حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث... وذكر الحديث.
انفراد بإخراجه البخاري.
الثالثة - قوله تعالى: (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) يعنى القمص، واحدها سربال. (وسرابيل تقيكم بأسكم) يعنى الدروع التي تقى الناس في الحرب، ومنه قول كعب بن زهير:
شم العرانين أبطال لبوسهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل الرابعة - إن قال قائل: كيف قال " وجعل لكم من الجبال أكنانا " ولم يذكر السهل، وقال: " تقيكم الحر " ولم يذكر البرد؟ فالجواب أنهم كانوا أصحاب جبال ولم يكونوا أصحاب سهل، وكانوا أهل حر ولم يكونوا أهل برد، فذكر لهم نعمه التي تختص بهم كما خصهم بذكر الصوف وغيره، ولم يذكر القطن والكتان ولا الثلج - كما تقدم - فإنه لم يكن ببلادهم (6)، قال معناه عطاء الخراساني وغيره. وأيضا: فذكر أحدهما يدال على الآخر، ومنه قول الشاعر:
وما أدرى إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يليني * الخير الذي أنا أبتغيه * أم الشر الذي هو يبتغيني الخامسة - قال العلماء: في قوله تعالى: (وسرابيل تقيكم بأسكم) دليل على اتخاذ العباد عدة الجهاد ليستعينوا بها على قتال الأعداء، وقد لبسها النبي صلى الله عليه وسلم تقاة