الثانية - فقال (وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها) أي من الأنطاع والأدم. " بيوتا " يعنى الخيام والقباب يخف عليكم حملها في الاسفار. (يوم ظعنكم) الظعن:
سير البادية في الانتجاع (1) والتحول من موضع إلى موضع، ومنه قول عنترة:
ظعن الذين فراقهم أتوقع * وجرى ببينهم الغراب الأبقع والظعن الهودج أيضا، قال:
ألا هل هاجك الأظعان إذ بانوا * وإذ جادت بوشك البين غربان وقرئ بإسكان العين وفتحها كالشعر والشعر. وقيل: يحتمل أن يعم (به (2) بيوت الادم وبيوت الشعر وبيوت الصوف، لان هذه من الجلود لكونها ثابتة فيها، نحا إلى ذلك ابن سلام.
وهو احتمال حسن، ويكون قوله " ومن أصوافها " ابتداء كلام، كأنه قال جعل أثاثا، يريد الملابس والوطاء، وغير ذلك، قال الشاعر:
أهاجتك الظعائن يوم بانوا * بذى الزي الجميل من الأثاث ويحتمل أن يريد بقوله " من جلود الانعام " بيوت الادم فقط كما قدمناه أولا. ويكون قوله " ومن أصوافها " عطفا على قوله " من جلود الانعام " أي جعل بيوتا أيضا. قال ابن العربي: " وهذا أمر انتشر في تلك الديار، وعزبت عنه بلادنا، فلا تضرب الأخبية عندنا إلا من الكتان والصوف، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم قبة من أدم، وناهيك من أدم الطائف غلاء في القيمة، واعتلاء في الصنعة، وحسنا في البشرة، ولم يعد ذلك صلى الله عليه وسلم ترفا ولا رآه سرفا، لأنه مما أمتن الله سبحانه من نعمته وأذن فيه من متاعه، وظهرت وجوه منفعته في الاكتنان والاستظلال الذي لا يقدر على الخروج عنه جنس الانسان. ومن غريب ما جرى أنى زرت بعض المتزهدين من الغافلين مع بعض المحدثين، فدخلنا عليه في خباء كتان فعرض عليه صاحبي المحدث أن يحمله إلى منزله ضيفا، وقال: إن هذا موضع يكثر فيه الحر والبيت أرفق بك وأطيب لنفسي فيك، فقال: هذا الخباء لنا كثير، وكان