ونوى الاحرام صار محرما لا يجوز له أن يحل بدليل هذه الآية فهذه الاحكام معطوف بعضها على بعض بعضها منسوخ وبعضها غير منسوخ.
العاشرة - قوله تعالى: (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) قال فيه جمهور المفسرين:
معناه يبتغون الفضل والأرباح في التجارة، ويبتغون مع ذلك رضوانه في ظنهم وطمعهم.
وقيل: كان منهم من يبتغي التجارة، ومنهم من يطلب بالحج رضوان الله وإن كان لا يناله، وكان من العرب من يعتقد جزاء بعد الموت، وأنه يبعث، ولا يبعد أن يحصل له نوع تخفيف في النار. قال ابن عطية: هذه الآية استئلاف من الله تعالى للعرب ولطف بهم، لتنبسط النفوس، وتتداخل الناس، ويردون الموسم فيستمعون القرآن، ويدخل الايمان في قلوبهم وتقوم عندهم الحجة كالذي كان. وهذه الآية نزلت عام الفتح فنسخ الله ذلك كله بعد عام سنة تسع، إذ حج أبو بكر ونودي الناس بسورة " براءة ".
الحادية عشرة - قوله تعالى: (وإذا حللتم فاصطادوا) أمر إباحة - بإجماع الناس - رفع ما كان محظورا بالاحرام، حكاه كثير من العلماء وليس بصحيح، بل صيغة " أفعل " الواردة بعد الحظر على أصلها من الوجوب، وهو مذهب القاضي أبي الطيب وغيره، لان المقتضي للوجوب قائم وتقدم الحظر لا يصلح مانعا، دليله قوله تعالى: " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين " (1) [التوبة: 5] فهذه " أفعل " على الوجوب، لان المراد بها الجهاد، وإنما فهمت الإباحة هناك وما كان مثله من قوله: " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا " (2) [الجمعة: 10] " فإذا تطهرن فأتوهن " (3) من النظر إلى المعنى والاجماع، لا من صيغة الامر. والله أعلم.
الثانية عشرة - قوله تعالى: (ولا يجر منكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام) أي لا يحملنكم، عن ابن عباس وقتادة، وهو قول الكسائي وأبي العباس. وهو يتعدى إلى مفعولين، يقال: جرمني كذا على بغضك أي حملني عليه، قال الشاعر: (4) ولقد طعنت أبا عيينة طعنة * جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا