وشنآنا بجزم النون، كل ذلك إذا أبغضته، أي لا يكسبنكم بغض قوم بصدهم إياكم أن تعتدوا، والمراد بغضكم قوما، فأضاف المصدر إلى المفعول. قال ابن زيد: لما صد المسلمون عن البيت عام الحديبية مر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة، فقال المسلمون: نصدهم كما صدنا أصحابهم، فنزلت هذه الآية، أي لا تعتدوا على هؤلاء، ولا تصدوهم " أن صدوكم " أصحابهم، بفتح الهمزة مفعول من أجله، أي لان صدوكم. وقرأ أبو عمرو وابن كثير بكسر الهمزة " إن صدوكم " وهو اختيار أبي عبيد. وروى عن الأعمش " إن يصدوكم ". قال ابن عطية: فإن للجزاء، أي إن وقع مثل هذا الفعل في المستقبل. والقراءة الأولى أمكن في المعنى. وقال النحاس: وأما " إن صدوكم " بكسر " إن " فالعلماء الجلة بالنحو والحديث والنظر يمنعون القراءة بها لأشياء: منها أن الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان، وكان المشركون صدوا المسلمين عام الحديبية سنة ست، فالصد كان قبل الآية، وإذا قرئ بالكسر لم يجز أن يكون إلا بعده، كما تقول: لا تعط فلانا شيئا إن قاتلك، فهذا لا يكون إلا للمستقبل، وإن فتحت كان للماضي، فوجب على هذا ألا يجوز إلا " أن صدوكم ". وأيضا فلو لم يصح هذا الحديث لكان الفتح واجبا، لان قوله: " لا تحلوا شعائر الله " إلى آخر الآية يدل على أن مكة كانت في أيديهم، وأنهم لا ينهون عن هذا إلا وهم قادرون على الصد عن البيت الحرام، فوجب من هذا فتح " أن " لأنه لما مضى. (أن تعتدوا) في موضع نصب، لأنه مفعول به، أي لا يجر منكم شنآن قوم الاعتداء. وأنكر أبو حاتم وأبو عبيد " شنآن " بإسكان النون، لان المصادر إنما تأتي في مثل هذا متحركة، وخالفهما غيرهما وقال: ليس هذا مصدرا ولكنه اسم الفاعل على وزن كسلان وغضبان.
الثالثة عشرة - قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) قال الأخفش: هو مقطوع من أول الكلام، وهو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى، أي ليعن بعضكم بعضا، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى وأعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه، وهذا موافق لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدال على الخير كفاعله). وقد قيل: