أن المحرر الخالص لله عز وجل لا يشوبه شئ من أمر الدنيا. وهذا معروف في اللغة أن يقال لكل ما خلص: حر، ومحرر بمعناه، قال ذو الرمة:
والقرط في حرة الذفرى معلقه * تباعد الحبل منه فهو يضطرب (1) وطين حر لا رمل فيه، وباتت فلانة بليلة حرة إذا لم يصل إليها زوجها أول ليلة، فإن تمكن منها فهي بليلة شيباء.
الخامسة - قوله تعالى: (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى) قال ابن عباس:
إنما قالت هذا لأنه لم يكن يقبل في النذر إلا الذكور، فقبل الله مريم. " وأنثى " حال، وإن شئت بدل. فقيل: إنها ربتها حتى ترعرعت وحينئذ أرسلتها، رواه أشهب عن مالك:
وقيل: لفتها في خرقتها وأرسلت بها إلى المسجد، فوفت بنذرها وتبرأت منها. ولعل الحجاب لم يكن عندهم كما كان في صدر الاسلام، ففي البخاري ومسلم أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فماتت. الحديث.
السادسة - قوله تعالى: (والله أعلم بما وضعت) هو على قراءة من قرأ " وضعت " بضم التاء من جملة كلامها، فالكلام متصل. وهي قراءة أبي بكر وابن عامر، وفيها معنى التسليم لله والخضوع والتنزيه له [أن يخفى (2) عليه شئ]، ولم تقله على طريق الاخبار لان علم الله في كل شئ قد تقرر في نفس المؤمن، وإنما قالته على طريق التعظيم والتنزيه لله تعالى.
وعلى قراءة الجمهور هو من كلام الله عز وجل قدم، وتقديره أن يكون مؤخرا بعد " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " [آل عمران: 36] والله أعلم بما وضعت، قال المهدوي. وقال مكي:
هو إعلام من الله تعالى لنا على طريق التثبيت فقال: والله أعلم بما وضعت أم مريم قالته أو لم تقله. ويقوي ذلك أنه لو كان من كلام أم مريم لكان وجه الكلام: وأنت أعلم بما وضعت، لأنها نادته في أول الكلام في قولها: رب إني وضعتها أنثى. وروي عن ابن عباس " بما وضعت " بكسر التاء، أي قيل لها هذا.