ما ذكروا من الشغل عن غسل شهداء أحد علة، لان كل واحد منهم كان له ولي يشتغل به ويقوم بأمره. والعلة في ذلك - والله أعلم - ما جاء في الحديث في دمائهم (أنها تأتي يوم القيامة كريح المسك) فبان أن العلة ليست الشغل كما قال من قال في ذلك، وليس لهذه المسألة مدخل في القياس والنظر، وإنما هي مسألة اتباع للأثر الذي نقله الكافة في قتلى أحد لم يغسلوا.
وقد احتج بعض المتأخرين ممن ذهب مذهب الحسن بقوله عليه السلام في شهداء أحد.
(أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة). قال: وهذا يدل على خصوصهم وأنه لا يشركهم في ذلك غيرهم. قال أبو عمر: وهذا يشبه الشذوذ، والقول بترك غسلهم أولى، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد وغيرهم. وروى أبو داود عن جابر قال: رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو. قال: ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثانية - وأما الصلاة عليهم فاختلف العلماء في ذلك أيضا، فذهب مالك والليث والشافعي وأحمد وداود إلى أنه لا يصلى عليهم، لحديث جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: (أيهما أكثر أخذا للقرآن)؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال: (أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة) وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم. وقال فقهاء الكوفة والبصرة والشام: يصلى عليهم. ورووا آثارا كبيرة أكثرها مراسيل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة وعلى سائر شهداء أحد.
والرابعة - وأجمع العلماء على أن الشهيد إذا حمل حيا ولم يمت في المعترك وعاش وأكل فإنه يصلى عليه، كما قد صنع بعمر رضي الله عنه.
واختلفوا فيمن قتل مظلوما كقتيل الخوارج وقطاع الطريق وشبه ذلك، فقال أبو حنيفة والثوري: كل من قتل مظلوما لم يغسل، ولكنه يصلى عليه وعلى كل شهيد، وهو قول سائر أهل العراق. ورووا من طرق كثير صحاح عن زيد بن صوحان، وكان قتل يوم الجمل:
لا تنزعوا عني ثوبا ولا تغسلوا عني دما. وثبت (1) عن عمار بن ياسر أنه قال مثل قول زيد