المؤمنين وليعلم الذين نافقوا) أي ليميز. وقيل ليرى. وقيل: ليظهر إيمان المؤمنين بثبوتهم في القتال، وليظهر كفر المنافقين بإظهارهم الشماتة فيعلمون ذلك. والإشارة بقوله (نافقوا (وقيل لهم) هي إلى عبد الله بن أبي وأصحابه الذين انصرفوا معه عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا ثلاثمائة. فمشى في أثرهم عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، أبو جابر ابن عبد الله، فقال لهم: اتقوا الله ولا تتركوا نبيكم، وقاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، ونحو هذا من القول. فقال له ابن أبي: ما أرى أن يكون قتال، ولو علمنا أن يكون قتال لكنا معكم. فلما يئس منهم عبد الله قال: اذهبوا أعداء الله فسيغني الله رسوله عنكم. ومضى مع النبي صلى الله عليه وسلم واستشهد رحمه الله تعالى.
واختلف الناس في معنى قوله: (أو ادفعوا) فقال السدي وابن جريج وغيرهما: كثروا سوادنا وإن لم تقاتلوا معنا، فيكون ذلك دفعا وقمعا للعدو، فإن السواد إذا كثر حصل دفع العدو. وقال أنس بن مالك: رأيت يوم القادسية عبد الله بن أم مكتوم الأعمى وعليه درع يجر أطرافها، وبيده راية سوداء، فقيل له (1): [أليس] (2) قد أنزل الله عذرك؟ قال: بلى!
ولكني أكثر [سواد] (2) المسلمين بنفسي. وروي عنه أنه قال: فكيف بسوادي في سبيل الله!
وقال أبو عون الأنصاري: معنى " أو ادفعوا " رابطوا. وهذا قريب من الأول. ولا محالة أن المرابط مدافع، لأنه لولا مكان المرابطين في الثغور لجاءها العدو. وذهب قوم من المفسرين إلى أن قول عبد الله بن عمرو " أو ادفعوا " إنما هو استدعاء إلى القتال [حمية، لأنه استدعاهم إلى القتال] (3) في سبيل الله، وهي أن تكون كلمة الله هي العليا، فلما رأى أنهم ليسوا على ذلك عرض عليهم الوجه الذي يحشمهم ويبعث الانفة. أي أو قاتلوا دفاعا عن الحوزة.
ألا ترى أن قزمان (4) قال: والله ما قاتلت إلا عن أحساب قومي. وألا ترى أن بعض الأنصار