يجد ما يحج به فيؤخر ذلك إلى سنين كثيرة مع قدرته على ذلك هل يفسق بتأخيره الحج وترد شهادته؟ قال: لا وإن مضى من عمره ستون سنة، فإذا زاد على الستين فسق وردت شهادته. وهذا توقيف وحد، والحدود في الشرع لا تؤخذ إلا عمن له أن يشرع.
قلت: وحكاه ابن خويز منداد عن ابن القاسم. قال ابن القاسم وغيره: إن أخره ستين سنة لم يخرج (1)، وإن أخره بعد الستين حرج، لان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وقل من يتجاوزها) فكأنه في هذا العشر قد يتضايق عليه الخطاب.
قال أبو عمر: وقد احتج بعض الناس [كسحنون] (2) بقوله صلى الله عليه وسلم: (معترك أمتي بين الستين إلى السبعين وقل من يجاوز ذلك). ولا حجة فيه، لأنه كلام خرج على الأغلب من أعمار أمته لو صح الحديث. وفيه دليل على التوسعة إلى السبعين لأنه من الأغلب أيضا، ولا ينبغي أن يقطع بتفسيق من صحت عدالته وأمانته بمثل هذا من التأويل الضعيف. وبالله التوفيق.
الثالثة - أجمع العلماء على أن الخطاب بقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت) عام في جميعهم مسترسل على جملتهم. قال ابن العربي: " وإن كان الناس قد اختلفوا في مطلق العمومات بيد أنهم اتفقوا على حمل هذه الآية على جميع الناس ذكرهم وأنثاهم، خلا الصغير فإنه خارج بالاجماع عن أصول التكليف، وكذلك العبد لم يدخل فيه، لأنه أخرجه عن مطلق العموم قوله تعالى [في (2) التمام]: " من استطاع إليه سبيلا " والعبد غير مستطيع، لان السيد يمنعه لحقوقه عن هذه العبادة. وقد قدم الله سبحانه حق السيد على حقه رفقا بالعباد ومصلحة لهم. ولا خلاف فيه بين الأمة ولا بين الأئمة، فلا نهرف (3) بما لا نعرف، ولا دليل عليه إلا الاجماع. قال ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم إلا من شذ منهم ممن لا يعد خلافا، على أن الصبي إذا حج في حال صغره، والعبد إذا حج في حال رقه، ثم بلغ الصبي وعتق العبد إن عليهما حجة الاسلام إذا وجدا إليها سبيلا. وقال أبو عمر: خالف داود جماعة فقهاء الأمصار وأئمة الأثر في المملوك وأنه عنده مخاطب بالحج، وهو عند جمهور العلماء خارج من الخطاب العام في قوله تعالى: " ولله على