الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " بدليل عدم التصرف، وأنه ليس له أن يحج بغير إذن سيده، كما خرج من خطاب الجمعة وهو قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " [الجمعة: 9] (1) الآية - عند عامة العلماء إلا من شذ. وكما خرج من خطاب إيجاب الشهادة، قال الله تعالى:
" ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " [البقرة: 282] (2) فلم يدخل في ذلك العبد. وكما جاز خروج الصبي من قوله:
" ولله على الناس حج البيت " وهو من الناس بدليل رفع القلم عنه. وخرجت المرأة من قوله:
" يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة " وهي ممن شمله اسم الايمان، وكذلك خروج العبد من الخطاب المذكور. وهو قول فقهاء الحجاز والعراق والشام والمغرب، ومثلهم لا يجوز عليهم تحريف تأويل الكتاب. فإن قيل: إذا كان حاضر المسجد الحرام وأذن له سيده فلم لا يلزمه الحج؟
قيل له: هذا سؤال على الاجماع وربما لا يعلل ذلك، ولكن إذا ثبت هذا الحكم على الاجماع استدللنا به على أنه لا يعتد بحجه في حال الرق عن حجة الاسلام، وقد روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما صبي حج ثم أدرك فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى). قال ابن العربي. " وقد تساهل بعض علمائنا فقال: إنما لم يثبت الحج على العبد وإن أذن له السيد لأنه كان كافرا في الأصل ولم يكن حج الكافر معتدا به، فلما ضرب عليه الرق ضربا مؤبدا لم يخاطب بالحج، وهذا فاسد من ثلاثة أوجه فأعلموه:
أحدها - أن الكفار عندنا مخاطبون بفروع الشريعة، ولا خلاف فيه في قول مالك.
الثاني: أن سائر العبادات تلزمه من صلاة وصوم مع كونه رقيقا، ولو فعلها في حال كفره لم يعتد بها، فوجب أن يكون الحج مثلها. الثالث - أن الكفر قد ارتفع بالاسلام فوجب ارتفاع حكمه. فتبين أن المعتمد ما ذكرناه من تقدم حقوق السيد). والله الموفق.
الرابعة - قوله تعالى: (من استطاع إليه سبيلا) " من " في موضع خفض على بدل البعض من الكل، هذا قول أكثر النحويين. وأجاز الكسائي أن يكون " من " في موضع رفع بحج، التقدير أن يحج البيت من. وقيل هي شرط. و " استطاع " في موضع جزم، والجواب