إعجاز القرآن - الباقلاني - الصفحة ١٦١
عفاء الرسوم إلا جدة عهد، وشدة وجد. وإنما فزع الأصمعي (1) إلى إفادته هذه الفائدة، خشية أن يعاب عليه، فيقال: أي فائدة لان يعرفنا أنه لم يعف رسم منازل حبيبه؟ وأي معنى لهذا الحشو؟ فذكر ما يمكن أن يذكر، ولكن لم يخلصه - بانتصاره له - من الخلل.
ثم في هذه الكلمة خلل آخر، لأنه عقب البيت بأن قال (2):
* فهل عند رسم دارس من معول! * فذكر أبو عبيدة: أنه رجع فأكذب نفسه، كما قال زهير:
/ قف بالديار التي لم يعفها القدم * نعم، وغيرها الأرواح والديم (3) وقال غيره: أراد بالبيت الأول أنه لم ينطمس أثره كله، وبالثاني أنه ذهب بعضه، حتى لا يتناقض الكلامان.
وليس في هذا انتصار، لان معنى " عفا " و " درس " واحد، فإذا قال:
" لم يعف رسمها " ثم قال: " قد عفا "، فهو تناقض لا محالة!
واعتذار " أبى عبيدة " أقرب لو صح، ولكن لم يرد هذا القول مورد الاستدراك كما قاله (4) زهير، فهو إلى الخلل أقرب.
وقوله: " لما نسجتها "، كان ينبغي أن يقول: " لما نسجها " ولكنه تعسف فجعل " ما " في تأويل تأنيث (5)، لأنها في معنى الريح، والأولى التذكير دون التأنيث، وضرورة الشعر قد قادته إلى (6) هذا التعسف.
وقوله: " لم يعف رسمها " كان الأولى أن يقول: " لم يعف رسمه " لأنه ذكر المنزل، فإن كان رد ذلك إلى هذه البقاع والأماكن

(1) س: " وإنما قرع له الأصمعي "!
(2) ا: " بأن قال بعده " (3) ديوانه ص 145 وفيه " بلى وغيرها " والأرواح: جمع ريح. والديم جمع ديمة: والديمة مطر يدوم في سكون بلا رعد أو برق، وقال ثعلب في شرح هذا البيت: " قال أبو زياد: عفا بعضها ولم يعف بعض ". وقال أبو عبيدة: أكذب نفسه. لم يعفها: لم يدرسها، ثم رجع فقال: بلى، ومثله قول الطهوي:
فلا تبعدن يا خير عمرو بن جندب * بلى إن من زار القبور ليبعدا (4) م: " لو صح. ولم يكن يورد هذا القول... على ما قاله " (5) كذا في م، ا، ك، وفى س: " التأنيث " (6) س، ك: " قد دلته على هذا "
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»
الفهرست