المشركين لما صدوا رسول الله (ص) من الحديبية عن المسجد الحرام والهدي، قال المقداد: يا نبي الله، إنا والله لا نقول كالملا من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فلما سمع ذلك أصحاب نبي الله (ص) تبايعوا على ما قال فلما رأى ذلك نبي الله (ص) صالح قريشا، ورجع من عامة ذلك.
وقال آخرون: بل عنى بقوله: يريدون أن يبدلوا كلام الله إرادتهم الخروج مع نبي الله (ص) في غزوه، وقد قال الله تبارك وتعالى فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا. ذكر من قال ذلك:
24373 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم... الآية، قال الله عز وجل حين رجع من غزوه، فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا... الآية يريدون أن يبدلوا كلام الله: أرادوا أن يغيروا كلام الله الذي قال لنبيه (ص) ويخرجوا معه، وأبى الله ذلك عليهم ونبيه (ص).
وهذا الذي قاله ابن زيد قول لا وجه له، لان قول الله عز وجل فاستأذنوك للخروج، فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنما نزل على رسول الله (ص) منصرفه من تبوك، وعني به الذين تخلفوا عنه حين توجه إلى تبوك لغزو الروم، ولا اختلاف بين أهل العلم بمغازي رسول الله (ص) أن تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكة أيضا، فكيف يجوز أن يكون الامر على ما وصفنا معنيا بقول الله: يريدون أن يبدلوا كلام الله وهو خبر عن المتخلفين عن المسير مع رسول الله (ص)، إذ شخص معتمرا يريد البيت، فصده المشركون عن البيت، الذين تخلفوا عنه في غزوة تبوك، وغزوة تبوك لم تكن كانت يوم نزلت هذه الآية، ولا كان أوحي إلى رسول الله (ص) قوله: فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا.
فإذ كان ذلك كذلك، فالصواب من القول في ذلك: ما قاله مجاهد وقتادة على ما قد بينا.