ونقرأ في بعض خطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: " نحن كلمة التقوى وسبيل الهدى " (1) وشبيه بهذا التعبير ما نقل عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قوله: " ونحن كلمة التقوى والعروة الوثقى " (2)!
وواضح أن الإيمان بالنبوة والولاية مكمل للإيمان بأصل التوحيد ومعرفة الله لأنهما جميعا داعيان إلى الله ومناديان للتوحيد.
وعلى كل حال فإن المسلمين لم يبتلوا في هذه اللحظات الحساسة بالحمية والعصبية والنخوة والحفيظة، وما كتب الله لهم من العاقبة المشرفة في الحديبية لم تمسسه نار الحمية والجهالة!
لأن الله يقول: وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها.
وبديهي أنه لا ينتظر من حفنة عتاة وجهلة وعبدة أصنام سوى (حمية الجاهلية) ولا ينتظر من المسلمين الموحدين الذين تربوا سنين طويلة في مدرسة الإسلام مثل هذا الخلق والطباع الجاهلية، ما ينتظر منهم هو الاطمئنان والسكينة والوقار والتقوى، وذلك ما أظهروه في الحديبية ولكن بعض حادي الطبع والمزاج أوشكوا على كسر هذا السد المنيع بما يحملوه من أنفسهم من ترسبات الماضي وأثاروا البلبلة والضوضاء، غير أن سكينة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووقاره كانا كمثل الماء المسكوب على النار فأطفأها!
وتختتم الآية بقوله سبحانه: وكان الله بكل شئ عليما. فهو سبحانه يعرف نيات الكفار السيئة ويعرف طهارة قلوب المؤمنين أيضا فينزل السكينة والتقوى عليهم هنا، ويترك أولئك في غيهم وحميتهم حمية الجاهلية، فالله يشمل كل قوم وأمة بما تستحقه من اللطف والرحمة أو الغضب والنقمة!
* * *