أرضنا وديارنا وعادوا سالمين فما عسى أن تقول العرب فينا؟! وأية حيثية واعتبار لنا بعد؟
هذا الكبر والغرور والحمية - حمية الجاهلية - منعتهم حتى من كتابة " بسم الله الرحمن الرحيم " بصورتها الصحيحة عند تنظيم معاهدة صلح الحديبية، مع أن عاداتهم وسننهم كانت تجيز العمرة وزيارة بيت الله للجميع، وكانت مكة عندهم حرما آمنا حتى لو وجد أحدهم قاتل أبيه فيها أو أثناء المناسك فلا يناله منه سوء وأذى لحرمة البيت عنده، فهؤلاء - بهذا العمل - هتكوا حرمة بيت الله والحرم الآمن من جهة، وخالفوا سننهم وعاداتهم من جهة أخرى، كما أسدلوا ستارا بينهم وبين الحقيقة أيضا، وهكذا هي آثار حمية الجاهلية المميتة!
" الحمية " في الأصل من مادة حمي - على وزن حمد - ومعناها حرارة الشمس أو النار التي تصيب جسم الإنسان وما شاكله، ومن هنا سميت الحمى التي تصيب الإنسان بهذا الاسم " حمى " على وزن كبرى، ويقال لحالة الغضب أو النخوة أو التعصب المقرون بالغضب حمية أيضا.
وهذه الحالة السائدة في الأمم هي بسبب الجهل وقصور الفكر والانحطاط الثقافي خاصة بين " الجاهليين " وكانت مدعاة لكثير من الحروب وسفك الدماء!..
ثم تضيف الآية الكريمة - وفي قبال ذلك - فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين..
هذه السكينة التي هي وليدة الإيمان والاعتقاد بالله والاعتماد على لطفه دعتهم إلى الاطمئنان وضبط النفس وأطفأت لهب غضبهم حتى أنهم قبلوا - ومن أجل أن يحفظوا ويرعوا أهدافهم الكبرى - بحذف جملة " بسم الله الرحمن الرحيم " التي هي رمز الإسلام في بداية الأعمال وأن يثبتوا - مكانها " بسمك اللهم " التي هي من موروثات العرب السابقين - في أول المعاهدة وحذفوا حتى لقب " رسول الله " التي يلي اسم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).