فإن قيل: إن جملة: رفعنا بعضهم فوق بعض درجات دليل على عدم العدالة الاجتماعية.
قلنا: هذا يصح في حالة تفسير العدالة بالمساواة، في حين أن العدالة تعني وضع كل شئ في محله ضمن منظومته، فهل أن وجود سلسلة المراجع والرتب في فرقة عسكرية، أو تنظيم إداري، أو في الدولة، دليل على وجود الظلم في تلك الأجهزة؟
من الممكن أن يستعمل بعض الناس كلمة " المساواة " في مجال الشعارات من دون الالتفات إلى معناها الواقعي، أما في الواقع العملي فلا يمكن أن يتم أو يقوم أي نظام بدون الاختلاف والتفاوت، غير أن هذا التفاوت يجب أن لا يكون ذريعة لأن يستغل الإنسان أخاه الإنسان أبدا، بل يجب أن يكون الجميع أحرارا في استعمال قواهم الخلاقة، وتنمية نبوغهم وإبداعهم، والاستفادة من نتائج نشاطاتهم بدون زيادة أو نقصان، وأما في حال عجزهم فيجب على القادرين أن يجدوا ويجتهدوا في رفع النواقص وسد ما يحتاجونه.
وأما فيما يتعلق بالسؤال الثاني، وهو: كيف يمكن المحافظة على شعلة الجهاد والسعي والاجتهاد وهاجة مع كون الرزق معينا؟ فإن الاشتباه ناشئ من تصورهم أن الله سبحانه لم يجعل لسعي الإنسان واجتهاده أي أثر أو دور.
صحيح أن الله سبحانه خلق القابليات متفاوتة لمختلف النشاطات، وصحيح أن العوامل الخارجة عن إرادة الإنسان مؤثرة في مسير حياته، لكن مع ذلك فإنه سبحانه قد جعل سعيه واجتهاده أيضا أحد العوامل الأساسية، وأوضح سبحانه ببيان أصل: أن ليس للإنسان إلا ما سعى (1)، أن سعادة الإنسان وما يجنيه ويحصل عليه يرتبط بسعيه واجتهاده.
وعلى أية حال، فإن النكتة الغامضة والدقيقة تكمن في أن البشر ليسوا