لكن أفضلها جميعا هو التفسير الأول.
وعلى أية حال، فلا ينبغي نسيان أن جانبا من الجهاد هو الجهاد بالأموال، ومن الطبيعي أن كل جهاد للعدو وقتال ضده يحتاج إلى أموال وميزانيات يجب أن تجمع وتهيأ من قبل المسلمين الزاهدين في الدنيا وغير المتعلقين بها. والآيات مورد البحث تهئ - في الحقيقة - الأرضية الفكرية والثقافية لهذه المسألة.
ولتبيان تعلق أغلب الناس بأموالهم وثرواتهم الشخصية تضيف الآية التالية:
إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم.
" يحفكم " من مادة إحفاء، أي: الإصرار والإلحاح في المطالبة والسؤال، وهي في الأصل من حفأ، وهو المشي حافيا، وهذا التعبير كناية عن الأعمال التي يتابعها الإنسان إلى أبعد الحدود، ومن هنا كان إحفاء الشارب يعني تقصيره ما أمكن.
و " الأضغان " جمع ضغن، وهو بمعنى الحقد الشديد، وقد أشرنا إليه سابقا.
وخلاصة القول: فإن الآية تبين التعلق الشديد لكثير من الناس بالأمور المالية، وهي في الحقيقة نوع من اللوم ولتوبيخ لهؤلاء، وفي نفس الوقت ترغيب في ترك هذا الارتباط، وتشويق إلى هذا المعنى، فإن تعلقهم بلغ حدا أن الله سبحانه إذا سألهم شيئا من أموالهم فإنهم يغضبون ويحقدون عليه!
وبذلك فإن الآية تريد أن توقظ أرواح البشر الغاطة في نومها العميق بسوط التقريع والملامة والعتاب، ليرفعوا عن أعناقهم قيود الذل والعبودية للأموال، ويصبحوا في حال يضحون عندها بكل ما لديهم في سبيل الله، ويقدمون ما عندهم بين يديه، ولا يرجون في مقابل ما يعطون إلا الإيمان به وتقواه ورضاه عنهم.
والآية الأخيرة - من الآيات مورد البحث، وهي آخر آية من سورة محمد - تأكيد آخر على ما مر في الآيات السابقة حول المسائل المادية وتعلق الناس بها، ومسألة الإنفاق في سبيل الله، فتقول: ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل.