بالمهانة باقتراح الصلح الذي لا يعني إلا التراجع والهزيمة؟ فليس هذا صلحا في الواقع، بل هو استسلام وخضوع ينبع من الضعف والانهيار، وهو نوع من طلب الراحة والعافية، ويقبح بكم أن تتحملوا عواقبه الأليمة الخطرة.
ومن أجل رفع معنويات المسلمين المجاهدين تضيف الآية: والله معكم ولن يتركم أعمالكم فإن من كان الله معه تكون كل عوامل الانتصار مسخرة له، فلا يحس بالوحشة أبدا، ولا يدع للضعف والانهزام سبيلا إلى نفسه، ولا يستسلم للعدو باسم الصلح ولن يدع نتائج دماء الشهداء ومكاسبها تذهب سدى في اللحظات الحساسة.
لن يتركم من مادة " الوتر "، وهو المنفرد، ولذلك يقال لمن قتل قريبه، وبقي وحيدا: وتر. وجاء أيضا بمعنى النقصان.
وفي الآية - مورد البحث - كناية جميلة عن هذا المطلب، بأن الله سبحانه لن يترككم وحدكم، بل سيقرنكم بثواب أعمالكم، خاصة وأنكم تعلمون أنكم لن تخطوا خطوة إلا كتبت لكم، فلم يكن الله لينقص من أجركم شيئا، بل سيضاعفه ويزيد عليه من فضله وكرمه.
اتضح مما قلناه أن الآية مورد البحث لا تنافي مطلقا الآية (61) من سورة الأنفال حيث تقول: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم لنجعل إحداهما ناسخة للأخرى، بل إن كلا منها ناظرة إلى مورد خاص، فإحداهما تنظر إلى الصلح المعقول، والأخرى إلى الصلح الذي ليس في محله فإن أحدهما صلح يحفظ مصالح المسلمين، والآخر صلح يطرحه ضعفاء المسلمين وهم على أبواب النصر، ولذلك فإن تتمة آية سورة الأنفال تقول: وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله.
وقد أشار أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى كلا الصالحين في عهده لمالك الأشتر،