وليس هذا في الأمس فقط، فإن ثقافة الشهادة المصيرية اليوم ترعب العدو أيضا، وتمزق صفوفه، وتمنعه من النفوذ إلى حصون الإسلام، وتزرع اليأس في نفسه من إمكان تخطيها، فما أكثر بركة ثقافة الشهادة للمسلمين، وما أشدها على أعداء الدين.
لكن، لا شك أن الشهادة ليست هدفا، بل الهدف هو الانتصار على العدو، وحراسة دين الله والحفاظ عليه، إلا أن هؤلاء الحراس على دينهم يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد، بحيث إذا احتاج الحال بذل النفوس والدماء فإنهم لا يتأخرون عن بذلها، بل يبادرون إلى البذل والتضحية والإيثار، وهذا هو معنى كون الأمة منجبة للشهداء، لا أنهم يطلبون الشهادة كهدف نهائي.
لهذا نقرأ في نهاية حديث مفصل روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في شأن مقام الشهداء أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أقسم وقال: " والذي نفسي بيده، لو كان الأنبياء في طريقهم لترجلوا لهم لما يرون من بهائهم، ويشفع الرجل منهم في سبعين ألفا من أهل بيته وجيرته " (1).
وهناك نكتة تستحق الاهتمام، وهي أن للشهادة في ثقافة الإسلام معنيين مختلفين: معنى " خاص "، وآخر " عام " واسع.
أما الخاص فهو القتل في سبيل الله في معركة الجهاد، وله أحكامه الخاصة في الفقه الإسلامي، ومن جملتها أن الشهيد لا يغسل ولا يكفن، بل يدفن بثيابه ودمائه إذا توفي في ميدان المعركة!!
أما المعنى العام الواسع للشهادة، فهو أن يقتل الإنسان في طريق تأدية الواجب الإلهي، فإن كل من يرحل عن الدنيا وهو في حالة أداء هذا الواجب يعد شهيدا، ولذلك ورد في الروايات الإسلامية أن عدة فئات يغادرون الدنيا وهم شهداء: