ومن جهة أخرى فإن سورة الأحقاف تتحدث في فصولها الأولى عن مسألة التوحيد، وعظمة القرآن المجيد، وإثبات نبوة نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتبحث في آخر فصل من هذه السورة مسألة المعاد لتكمل بذلك البحث في الأصول الاعتقادية الثلاثة.
تقول الآية الأولى: أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى بلى إنه على كل شئ قدير فإن خلق السماوات والأرض مع موجوداتها المختلفة المتنوعة علامة قدرته تعالى على كل شئ، لأن كل ما يقع في دائرة مخلوق لله في هذا العالم، فإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن أن يكون عاجزا عن إعادة حياة البشر؟ وهذا بحد ذاته دليل قاطع مفحم على مسألة إمكان المعاد.
وأساسا فإن أفضل دليل على إمكان أي شئ وقوعه، فكيف ندع إلى أنفسنا سبيلا للشك في قدرة الله المطلقة على مسألة المعاد ونحن نرى نشأة الموجودات الحية وتولدها من موجودات ميتة، وعلى هذا النطاق الواسع؟
هذا أحد أدلة المعاد العديدة التي يؤكد عليها القرآن ويستند إليها في آيات مختلفة، ومن جملتها الآية (81) من سورة يس (1).
وتجسد الآية التالية مشهدا من العذاب الأليم المحيط بالمجرمين ومنكري المعاد، فتقول: ويوم يعرض الذين كفروا على النار.
أجل، فمرة تعرض النار على الكافرين، وأخرى يعرضون الكافرين على النار، ولكل من العرضين هدف أشير إليه قبل عدة آيات.
وعندما يعرضون الكافرين على النار، ويرون ألسنة لهبها العظيمة المحرقة المرعبة يقال لهم: أليس هذا بالحق؟ وهل تستطيعون اليوم أن تنكروا البعث ومحكمة الله العادلة، وثوابه وعقابه، وتقولون: ما هذا إلا أساطير الأولين؟