لقد غفل هؤلاء عن أن العيب فيهم لا في الإسلام، فلو لا حجب الكبر والغرور الملقاة على قلوبهم ولولا أنهم سكرى من خمرة المال والجاه والمقام، ولولا أن غرورهم وتكبرهم يمنعهم من التحقيق في أمر هذا الدين، إذن لانجذبوا بسرعة إلى الإسلام كما انجذب الفقراء إليه.
ولذلك فإن الآية تجيبهم في نهايتها بهذا التعبير اللطيف: وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم (1) أي إن هؤلاء ما أرادوا أن يهتدوا بآيات القرآن، لا أن القصور في قابلية القرآن على الهداية.
والتعبير ب " الإفك القديم " شبيه بتهمة أخرى حكيت عنهم في آيات القرآن الأخرى، إذ قالوا: أساطير الأولين (2).
جملة " سيقولون " بصيغة المضارع، تدل على أنهم كانوا يرمون القرآن بهذه التهمة دائما، وكانوا يتخذون هذا الاتهام غطاء لعدم إيمانهم.
ثم تطرقت الآية إلى دليل آخر لإثبات كون القرآن حقا، ولنفي تهمة المشركين إذ كانوا يقولون: هذا إفك قديم، فقالت: إن من علامات صدق هذا الكتاب العظيم أن كتاب موسى الذي يعتبر إماما أي قدوة للناس ورحمة قد أخبر عن هذا النبي وصفاته. وهذا القرآن أيضا كتاب منسجم في آياته وفيه العلائم المذكورة في التوراة: ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق وإذا كان الأمر كذلك، فكيف تقولون: هذا إفك قديم؟
لقد أكد القرآن في آياته مرارا على أنه مصدق للتوراة والإنجيل، أي إنه يتفق مع العلامات والصفات التي وردت في هذين الكتابين السماويين حول نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد كانت هذه العلامات دقيقة إلى الحد الذي يقول القرآن الكريم: