الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم (1).
وقد ورد نظير معنى الآية مورد البحث في الآية (17) من سورة هود: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به.
والتعبير ب إماما ورحمة يحتمل أن يكون من جهة أن ذكر الإمام يستدعي أحيانا أن تخطر في الذهن مسألة التكليف الشاق الصعب، نتيجة الذكريات التي كانت لديهم عن أئمتهم، إلا أن ذكر الرحمة يبدل هذا الخطور الذهني إلى ما يبعث على الاطمئنان، فهو يقول: إن هذا الإمام توأم الرحمة ومقترن بها، فحتى إذا أتاكم بالتكاليف والأوامر فهي رحمة أيضا، وأي رحمة أعم وأسمى من تربية نفوس هؤلاء القوم؟!
ثم تضيف بعد ذلك: لسانا عربيا يفهمه الجميع ويستفيدون منه.
ثم تبين في النهاية الهدف الرئيسي من نزول القرآن في جملتين قصيرتين، فتقول: لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين وإذا لاحظنا أن جملة (ينذر) مضارعة تدل على الاستمرار والدوام، فسيتضح أن إنذار القرآن كبشارته دائمي مستمر، فهو يحذر الظالمين والمجرمين على مدى التأريخ ويخوفهم وينذرهم، ويبشر المحسنين على الدوام.
ومما يلفت النظر أن الآية جعلت الظالمين في مقابل المحسنين لأن للظلم هنا معنى واسعا يشمل كل إساءة ومخالفة، ومن الطبيعي أن الظلم إما بحق الآخرين أو بحق النفس.
والآية التالية تفسير للمحسنين الذين ورد ذكرهم في الآية التي قبلها، فتقول:
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (2).