والمراد من " الأمر " هنا هو دين الحق الذي مرت الإشارة إليه في الآية السابقة أيضا، حيث قالت: بينات من الأمر.
ولما كان هذا المسير مسير النجاة والنصر، فإن الله سبحانه يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك أن فاتبعها.
وكذلك لما كانت النقطة المقابلة ليس إلا اتباع أهواء الجاهلين ورغباتهم، فإن الآية تضيف في النهاية: ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون.
في الحقيقة، لا يوجد إلا طريقان: طريق الأنبياء والوحي، وطريق أهواء الجاهلين وميولهم، فإذا ولى الإنسان دبره للأول فسيقع في الثاني، وإذا توجه الإنسان إلى ذلك السبيل فسينفصل عن خط الأنبياء ويبتعد عنهم، وبذلك فإن القرآن أبطل كل البرامج الإصلاحية التي لا تستمد تعليماتها من مصدر الوحي الإلهي.
والجدير بالانتباه أن بعض المفسرين قالوا: إن رؤساء قريش أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا: ارجع إلى دين آبائك، فإنهم كانوا أفضل منك وأسلم. وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يزال في مكة، فنزلت الآية أعلاه (1) وأجابتهم بأن طريق الوصول إلى الحق هو الوحي السماوي الذي نزل عليك، لا ما يمليه هوى هؤلاء الجاهلين ورغبتهم.
لقد كان القادة المخلصون يواجهون دائما وساوس الجاهلين هذه عندما يأتون بدين جديد ويطرحون أفكارا بناءة طاهرة، فقد كان الجهال يطرحون عليهم: أأنتم أعلم أم الآباء السابقون والعظماء الذين جاؤوا قبلكم؟ وكانوا يصرون على الاستمرار في ذلك الطريق، وإذا كان مثل هذا الاقتراح يمكن أن ينزل إلى حيز التطبيق والواقع العملي، فليس بوسع الإنسان أن يخطو خطوة في طريق التكامل.
وتعتبر الآية التالية تبيانا لعلة النهي عن الاستسلام أمام مقترحات المشركين وقبول طلباتهم، فتقول: إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا فإذا ما اتبعت دينهم