رحيم لهم، في حين كانوا يواجهون منطقه الحكيم بالسفسطة والمغالطة، عدا مجموعة قليلة منهم، يحتمل أن لا تتعدى الشخصين (أحدهما يسمى بالعابد والثاني بالعالم) آمنت برسالته.
وبعد فترة طويلة من دعوته إياهم إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام، يئس يونس من هدايتهم، وكما جاء في بعض الروايات، فإن يونس (عليه السلام) قرر طبقا لاقتراح الرجل العابد، مع ملاحظة أوضاع وأحوال قومه الضالين، قرر الدعاء عليهم (1).
وبالفعل فقد دعا عليهم، فنزل عليه الوحي وحدد له وقت حلول العذاب الإلهي بهم، ومع حلول موعد نزول العذاب، رحل يونس - بمعيته الرجل العابد - عن قومه وهو غاضب عليهم، ووصل إلى ساحل البحر، وشاهد سفينة عند الساحل غاصة بالركاب فطلب منهم السماح له بالصعود إليها.
وهذا ما أشارت إليه الآية التالية، حيث قالت: إذ أبق إلى الفلك المشحون.
كلمة " أبق " مشتقة من (إباق) والتي تعني فرار العبد من سيده، إنها لعبارة عجيبة، إذ تبين أن ترك العمل بالأولى من قبل الأنبياء العظام ذوي المقام الرفيع عند الله، مهما كان بسيطا فإنه يؤدي إلى أن يتخذ الباري عز وجل موقفا معاتبا ومؤنبا للأنبياء، كإطلاق كلمة (الآبق) على نبيه.
ومن دون أي شك فإن نبي الله يونس (عليه السلام)، معصوم عن الخطأ، ولكن كان الأجدر به أن يتحمل آلاما أخرى من قومه، وأن يبقى معه حتى اللحظات الأخيرة قبل نزول العذاب، عسى أن يستيقظوا من غفلتهم ويتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى.
حقا إنه دعا قومه إلى توحيد الله أربعين عاما - وفق ما ورد في بعض الروايات - ولكن كان من الأجدر به أن يضيف عدة أيام أو عدة ساعات إلى ذلك الوقت ببقائه معهم، لذلك فعندما ترك قومه وهجرهم شبهه القرآن بالعبد الآبق.