هذا هو العذاب والفتنة الذي أشرنا إليه في الآيات السابقة، حيث أن أكل هذا النبات الذي ينبت في جهنم ذو الرائحة الكريهة والطعم المر واللبن الذي يورم ويحرق الأبدان فور ما يصيبها، وتناوله - وبكميات كبيرة - يعد عذابا أليما.
ومن البديهي، فإن من يتناول هذا الطعام السئ الطعم والمر، يصيبه العطش، ولكن حينما يشعر بالعطش ماذا يشرب؟ القرآن يجيب على هذا السؤال بالقول:
ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم.
" الشوب " هو الشئ المخلوط أو الممزوج مع شئ آخر. و (حميم) هو الماء الحار البالغ في حرارته، وطبقا لذلك فإن حتى الماء الحار الذي يشربه أولئك الظالمون غير نقي، بل ملوث.
وهذا هو غذاء أهل جهنم، وهذا هو شرابهم، وبعد هذه الضيافة إلى أين يذهبون، فيجيب القرآن على هذا السؤال أيضا بالقول: ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم.
بعض المفسرين فسروا هذه العبارة على أن الماء الحار الملوث ينبع من عين خارج جهنم، وأن أهل جهنم يساقون كما تساق البهائم إلى الأماكن المخصصة لشرب الماء، وبعد تناولهم الماء يرجعون إلى الجحيم.
فيما ذهب البعض الآخر إلى القول بأنه إشارة إلى وجود أماكن ومواقف مختلفة في جهنم، ينقل إليها الظالمون والمجرمون ليشربوا منها الماء الحار، ويرجعون بعد ذلك إلى المكان الذي كانوا فيه سابقا.
إلا أن التفسير الأول يعد أنسب.
وكما أشرنا آنفا، فإنه لا يمكن تصور النعم التي يغدقها الله سبحانه وتعالى على أهل الجنة، كما أنه لا يمكن تصور العذاب الذي ينال أهل جهنم، بل إنها تخيلات - وحسب - تتراءى أمام أعيننا من خلال عبارات قصار (اللهم أعذنا بلطفك واحفظنا من العذاب).