لذا فإن الآية التالية تتحدث عن حركة القمر ومنازله التي تؤدي إلى تنظيم أيام الشهر، وذلك لأجل تكميل البحث السابق، فتقول الآية: والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم.
المقصود ب (المنازل) تلك المستويات الثمانية والعشرون التي يطويها القمر قبل الدخول في " المحاق " والظلام المطلق. لأن القمر يمكن رؤيته في السماء إلى اليوم الثامن والعشرين، ولكنه يكون في ذلك اليوم هلالا ضعيفا مائلا لونه إلى الاصفرار، ويكون نوره قليلا وشعاعه ضعيفا جدا، وفي الليلتين الباقيتين من الثلاثين يوما تنعدم رؤيته تماما ويقال: إنه في دور (المحاق)، ذلك إذا كان الشهر ثلاثين يوما، أما إذا كان تسعة وعشرين يوما، فإن نفس هذا الترتيب سيبدأ من الليلة السابعة والعشرين ليدخل بعدها القمر في (المحاق).
تلك المنازل محسوبة بدقة كاملة، بحيث أن المنجمين منذ مئات السنين يستطيعون أن يتوقعوا تلك المنازل ضمن حساباتهم الدقيقة.
هذا النظام العجيب ينظم حياة الإنسان من جهة، ومن جهة أخرى فهو تقويم سماوي طبيعي لا يحتاج إلى تعلم القراءة والكتابة لمتابعته. بحيث أن أي إنسان يستطيع بقليل من الدقة والدراية في أوضاع القمر خلال الليالي المختلفة..
يستطيع بنظرة واحدة أن يحدد بدقة أو بشكل تقريبي أية ليلة هو فيها.
ففي الليلة الأولى يظهر الهلال الضعيف وطرفاه إلى الأعلى، ويزداد حجمه ليلة بعد ليلة حتى الليلة السابعة حيث تكتمل نصف دائرة القمر، ثم تستمر الزيادة حتى تكتمل الدائرة الكاملة للقمر في الليلة الرابعة عشرة ويسمى حينئذ " بدرا ". ثم يبدأ بالتناقص تدريجيا حتى الليلة الثامنة والعشرين حيث يصبح هلالا باهتا يشير طرفاه إلى الأسفل.
نعم، فإن النظم يشكل أساس حياة الإنسان، والنظم بدون التعيين الدقيق للزمن ليس ممكنا، لذا فإن الله سبحانه وتعالى قد وضع لنا هذا التقويم الدقيق للشهور