المهتدين كأنهم يركبون مركبا سريعا، أو يستعلون منارا عاليا ويتسلطون على كل شئ، في حال كون الضالين مغمورين في ظلمة جهلهم.
ومن الجدير بالملاحظة كذلك هو أنه تعالى تحدث عن " الهدى " أولا ثم " الضلال "، وذلك أنه قال: " إنا " في بداية الجملة أولا، ثم قال " إياكم "، لتكون تلميحا إلى هدى الفريق الأول، وضلالة الفريق الثاني.
ورغم أن بعض المفسرين ذهبوا إلى أن وصف " المبين " يرتبط فقط (بالضلال)، بلحاظ أن الضلال أنواع وضلال الشرك أوضحها. ولكن يحتمل أيضا أن يكون هذا الوصف للهدى والضلال على حد سواء، لأن " الصفة " في مثل هذه الموارد لا تتكرر لتكون أكثر بلاغة، وعليه فيكون (الهدى) مبنيا و (الضلال) مبنيا، كما ورد في كثير من آيات القرآن (1).
وتستمر الآية التي بعدها بالاستدلال بشكل آخر - ولكن بنفس النمط المنصف الذي يستنزل الخصم من مركب العناد والغرور. يقول تعالى: قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون.
والعجيب هنا أن الرسول (صلى الله عليه وآله) مأمور باستعمال تعبير " جرم " فيما يخصه، وتعبير " أعمال " فيما يخص الطرف الآخر، وبذا تتضح حقيقة أن كل شخص مسؤول أن يعطي تفسيرا لأعماله وأفعاله، لأن نتائج أعمال أي إنسان تعود عليه، حسنها وقبيحها، وفي الضمن إشارة لطيفة إلى إننا إنما نصر على إرشادكم وهدايتكم، لا لأن ذنوبكم تقيد في حسابنا، ولا لأن شركم يضر بنا، نحن نصر على ذلك بدافع الغيرة عليكم وطلبا للحق.
الآية التالية - في الحقيقة - توضيح لنتيجة الآيتين السابقتين، فبعد أن نبه إلى أن أحد الفريقين على الحق والآخر على الباطل، وإلى أن كلا منهما مسؤول عن