الإنسان إلى مقام المشاهدة الباطنية والرؤية القلبية، وينال كل شخص من هذه المشاهدة مرتبة تتناسب مع مقدار معرفته وعمله الصالح.
وللفخر الرازي في تفسيره هنا بيان جميل يمكن جمعه مع ما قلناه، فهو يقول:
إن الإنسان يغفل في هذه الدنيا عن الله غالبا نتيجة لغرقه في الأمور المادية، والسعي لتحصيل المعاش، إلا أنه يتوجه يوم القيامة بكل وجوده إلى رب العالمين، لأن كل هذه المشاغل الفكرية ستزول، وهذا هو معنى لقاء الله (1).
ثم إنه اتضح مما قلناه أن قول بعض المفسرين بأن هذا التعبير إشارة إلى لحظة الموت واللقاء بملك الموت لا يناسب الآيات مورد البحث، ولا التعبيرات المشابهة الواردة في آيات القرآن الأخرى، وخاصة وأن ضمير المفعول الذي في جملة " يلقونه " جاء بصيغة المفرد، وهو إشارة إلى ذات الله المقدسة في حين أن الملائكة التي تقبض الأرواح جمع، وجاءت كلمة " الملائكة " بصيغة الجمع في الآية السابقة أيضا (إلا اللهم أن تقدر كلمة ما).
3 3 - أجور المؤمنين معدة منذ الآن!
إن جملة أعد لهم أجرا كريما توحي بأن الجنة ونعمها قد خلقت، وهي بانتظار المؤمنين. ويمكن أن يتبادر هذا السؤال إلى الأذهان: إن التهيئة والإعداد يليقان بالشخص المحدود القدرة، حيث أنه ربما لا يستطيع في بعض الأحيان أن يهئ وقت الحاجة ما يريد، إلا أن مثل هذه الحاجة إلى الاستعداد لا تصدق في شأن الله سبحانه، إذ أن قدرته لا تحد، وإذا أراد شيئا في أية لحظة فإنه يقول له: كن فيكون، فما هو المراد من التأكيد على التهيئة والإعداد في هذه الآية وسائر آيات القرآن الأخرى؟!