في هذا المقطع من الآيات يجر القرآن المشركين في الواقع إلى المحاكمة، وبالضربات الماحقة للأسئلة المنطقية، يحشرهم في زاوية ضيقة، ثم يبين تفسخ منطقهم الواهي بخصوص شفاعة الأصنام.
في هذه المجموعة من الآيات، خوطب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) خمس مرات، وقيل له: (قل) لهم... وفي كل مرة تعرض الآيات مطلبا جديدا يتعلق بمصير الأصنام وعبادها، بشكل يشعر معه بأن ليس هناك عقيدة أفرغ ولا أجوف من عبادة الأصنام، بل لا يمكن أساسا تسمية هذه العبادة (عقيدة) أو (مذهبا).
في الآية الأولى يقول تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله (1) ولكن اعلموا أن هذه الأصنام أو الشركاء لا يستجيبون لدعائكم أبدا، ولا يحلون لكم مشكلة، ثم تنتقل الآية إلى عرض الدليل على هذا القول، فيقول تعالى:
لأنهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير.
فلو كانوا يستطيعون شيئا لكان لهم أحد هذه الأوصاف الثلاثة: إما مالكية مستقلة لشئ في السماء أو الأرض، أو على الأقل مشاركة مع الله في أمر الخلق، أو معاونة الخالق في شئ من هذه الأمور.
في حال أن الواضح هو أن " واجب الوجود " واحد لا غير، والباقون جميعهم " ممكن الوجود " مرتبطون به. ولو قطع الله تعالى نظر لطفه عنهم لحظة لأحلهم دار البوار والعدم.
واللطيف هو قوله تعالى: مثقال ذرة في السماوات والأرض، فموجودات لا تملك في هذه السماء اللامحدودة، وهذه الأرض المترامية الأطراف ما يعادل " مثقال ذرة "، فأي مشكلة يمكنها حلها لنفسها، ناهيك عن سواها!!