مخالفيهم يمثل نموذجا حيا في هذا المجال، وكمثال على ذلك لاحظوا ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) بهذا الخصوص في كتب الحديث:
ففي أوائل كتاب توحيد المفضل نقرأ " روى محمد بن سنان قال: حدثني المفضل بن عمر قال: كنت ذات يوم بعد العصر جالسا في الروضة الشريفة بين القبر والمنبر، وأنا مفكر فيما خص الله تعالى به سيدنا محمدا (صلى الله عليه وآله)، من الشرف والفضائل، وما منحه وأعطاه وشرفه وحباه، مما لا يعرفه الجمهور من الأمة وما جهلوه من فضله وعظيم منزلته، وخطير مرتبته، فإني لكذلك إذ أقبل " ابن أبي العوجاء، " رجل ملحد معروف ". إلى أن يذكر أحاديث هذا الرجل التي سمعها المفضل... إلى أن (قال المفضل): فلم أملك نفسي غضبا وغيظا وحنقا، فقلت:
يا عدو الله ألحدت في دين الله، وأنكرت الباري جل قدسه الذي خلقك في أحسن تقويم وصورك في أتم صورة، ونقلك في أحوالك حتى بلغ إلى حيث إنتهيت. فلو تفكرت في نفسك وصدقك ولطيف حسك، لوجدت دلائل الربوبية وآثار الصنعة فيك قائمة، وشواهده جل وتقدس في خلقك واضحة، وبراهينه لك لائحة، فقال:
يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلمناك فإن ثبتت لك حجة تبعناك، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا تخاطبنا، ولا بمثل دليلك تجادل فينا، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت، فما أفحش في خطابنا، ولا تعدى في جوابنا، وإنه الحليم الرزين، العاقل الرصين، لا يعتريه خرق ولا طيش ولا نزق، يسمع كلامنا، ويصغي إلينا ويتعرف حجتنا، حتى إذا استفرغنا ما عندنا، وظننا أنا قطعناه، دحض حجتنا بكلام يسير، وخطاب قصير يلزمنا به الحجة، ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه ردا، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه " (1).
* * *