ثم يقدمون له أربع نصائح قيمة أخرى ذات تأثير مهم على مصير الإنسان، بحيث تتكامل لديه حلقة خماسية من النصائح مع ما تقدم من قولهم له:
لا تفرح فالنصيحة الأولى قولهم له: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة وهذا إشارة إلى أن المال والثروة ليس أمرا سيئا كما يتصوره بعض المتوهمين، المهم أن تعرف فيم يستعمل المال، وفي أي طريق ينفق، فإذا ابتغي به الدار الآخرة فما أحسنه! أو كان وسيلة للعب والهوى والظلم والتجاوز، فلا شئ أسوأ منه!
وهذا هو المنطق الذي ورد على لسان أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام معروف " من أبصر بها بصرته ومن أبصر إليها أعمته " (1).
وكان قارون رجلا ذا قدرة على الأعمال الاجتماعية الكبيرة بسبب أمواله الطائلة، ولكن ما الفائدة منها وقد أعماه غروره عن النظر إلى الحقائق.
والنصيحة الثانية قولهم له: ولا تنس نصيبك من الدنيا والآية تشير إلى مسألة واقعية، وهي أن لكل فرد منا نصيبا من الدنيا، فالأموال التي يصرفها على بدنه وثيابه ليظهر بمظهر لائق هي أموال محدودة، وما زاد عليها لا تزيد مظهره شيئا، وعلى الإنسان أن لا ينسى هذه الحقيقة!... فالإنسان... كم يستطيع أن يأكل من الطعام؟ ولم يستطيع أن يلبس من الثياب؟ وكم يمكن أن يحوز من المساكن والمراكب؟! وإذا مات وكم يستطيع أن يأخذ معه من الأكفان؟!
فالباقي - إذن - رضي أم أبى هو من نصيب الآخرين.
وما أجمل قول الإمام علي (عليه السلام): " يا ابن آدم ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك " (2).
وهناك تفسير آخر لهذه الجملة في الروايات الإسلامية وكلمات المفسرين،