ويبدو أنه كان له أمل كبير بموسى (عليه السلام) إذ كان يتوسم في وجهه رجلا ربانيا صالحا ثوريا، ولذلك فحين أحس بأن الخطر محدق بموسى أوصل نفسه بسرعة إليه وانقذه من مخالب الخطر، وسنرى بعدئذ أن هذا الرجل لم يكن في هذا الموقف فحسب سندا وظهيرا لموسى، بل كان يعد عينا لبني إسرائيل في قصر فرعون في كثير من المواقف والأحداث.
أما موسى (عليه السلام) فقد تلقى الخبر من هذا الرجل بجدية وقبل نصحه ووصيته في مغادرة المدينة فخرج منها خائفا يترقب.
وتضرع إلى الله بإخلاص وصفاء قلب ليدفع عنه شر القوم وقال رب نجني من القوم الظالمين.
فأنا أعلم يا رب أنهم ظلمة ولا يرحمون، وقد نهضت - دفاعا عن المحرومين - بوجه الظالمين، ولم آل جهدا ووسعا في ردع الأشرار عن الاضرار بالطيبين، فأسألك - يا ربي العظيم - أن تدفع عني أذاهم وشرهم.
ثم قرر موسى (عليه السلام) أن يتوجه إلى مدينة " مدين " التي كانت تقع جنوب الشام وشمال الحجاز، وكانت بعيدة عن سيطرة مصر والفراعنة.. ولكنه شاب تربى في نعمة ورفاه ويتجه إلى سفر لم يسبق له في عمره أن يسافر إليه، فلا زاد ولا متاع ولا صديق ولا راحلة ولا دليل، وكان قلقا خائفا على نفسه، فلعل أصحاب فرعون سيدركونه قبل أن يصل إلى هدفه " مدين " ويأسرونه ثم يقتلونه.. فلا عجب أن يظل مضطرب البال!
أجل، إن على موسى (عليه السلام) أن يجتاز مرحلة صعبة جدا، وأن يتخلص من الفخ الذي ضربه فرعون وجماعته حوله ليصطادوه، ليستقر أخيرا إلى جانب المستضعفين ويشاطرهم آلامهم بأحاسيسه وعواطفه، وأن يتهيأ لنهضة إلهية لصالحهم وضد المستكبرين.