فتمسكم النار. (1) وسواء كان " الركون " هنا بمعنى الميل القلبي، أو بمعنى الإعانة الظاهرية، أو إظهار الرضا والمحبة، أو طلب الخير لهم.. هذه المعاني التي ذكرها المفسرين " للركون " يجمعها مفهوم جامع لها، وهو الإتكاء والاعتماد والتعلق وما إلى ذلك، وهذا المفهوم شاهد حي على مقصودنا.
ونقرأ في هذا الصدد حديثا للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) مع " محمد بن مسلم الزهري " الذي كان رجلا عالما، إلا أنه كان يتعاطف ويتعاون مع الجهاز الأموي ولا سيما مع هشام بن عبد الملك، يحذره الإمام في حديثه هذا من إعانة الظالمين والركون إليهم، وهو حديث مثير جدا.. وقد جاء فيه: " أوليس بدعائهم إياك حين دعوك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم، سلما إلى ظلالتهم، داعيا إلى عينهم سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك! فانظر لنفسك فإنه لا ينظر إليها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول " (2).
والحق أن هذا المنطق البليغ المؤثر للإمام (عليه السلام) لكل عالم من وعاظ السلاطين مرتبط بالظالمين راكن إليهم، يمكن أن يبصره بمصيره المشؤوم عاقبته المخزية.
ويذكر ابن عباس أن آية رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين من جملة الآيات التي تؤكد على أن الركون للمجرمين ذنب عظيم، وإعانة المؤمنين إطاعة لأمر الله سبحانه.