مت فقد وقع أجرك على الله الحديث.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: وإن مت إلخ إشارة إلى قوله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) النساء - 100، وفيه دلالة على أن الخروج إلى الجهاد مهاجرة إلى الله ورسوله.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام: في إسماعيل النبي الذي سماه الله سبحانه صادق الوعد، قال عليه السلام إنما سمي صادق الوعد، لأنه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة، فسماه الله عز وجل صادق الوعد، ثم إن الرجل أتاه بعد ذلك الوقت فقال له إسماعيل ما زلت منتظرا لك الحديث.
أقول: وهذا أمر ربما يحكم العقل العادي بكونه منحرفا عن جادة الاعتدال مع أن الله سبحانه جعله منقبة له عليه السلام حتى عظم قدره ورفع ذكره بقوله: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا) مريم - 55، فليس ذلك إلا أن الميزان الذي وزن به هذا العمل غير الميزان الذي بيد العقل العادي، فللعقل العادي تربية بتدبيره ولله سبحانه تربية لأوليائه بتأييده، وكلمة الله هي العليا، ونظائر هذه القضية كثيرة مروية منقولة عن النبي والأئمة والأولياء.
فان قلت: كيف يمكن مخالفة الشرع مع العقل في ما للعقل إليه سبيل.
قلت: أما حكم العقل فيما له إليه سبيل ففي محله، لكنه يحتاج إلى موضوع يقع عليه حكمه، وقد عرفت في ما تقدم أن أمثال هذه العلوم في المسلك الثالث الذي ذكرناه لا تبقى للعقل موضوعا يحكم فيه وعليه، وهذا سبيل المعارف اللاهية والظاهر أن إسماعيل النبي عليه السلام كان أطلق القول بوعد بأن قال: أنتظرك ههنا حتى تعود إلى ثم التزم على إطلاق قوله صونا لنفسه عن نقض العهد والكذب في الوعد وحفظا لما القى الله في روعه وأجراه على لسانه، وقد روي نظيره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنه كان عند المسجد الحرام فوعده بعض أصحابه بالرجوع إليه ووعدة النبي بانتظاره حتى يرجع فذهب في شأنه ولم يرجع، فانتظره النبي ثلاثة أيام في مكانه الذي وعده حتى مر به الرجل بعد الثلاثة، وهو جالس ينتظر والرجل قد نسي الوعد، الحديث.