فيها وإنما أسكنهما الله الجنة لاختبارهما ولتبدو لهما سوآتهما حتى يهبطا إلى الأرض، وكذا سياق قوله تعالى في سورة طه: فقلنا يا آدم، وفي سورة الأعراف: ويا آدم أسكن حيث سبك قصة الجنة مع قصة إسجاد الملائكة كلتيهما كقصة واحدة متواصلة، وبالجملة فهو عليه السلام كان مخلوقا ليسكن الأرض، وكان الطريق إلى الاستقرار في الأرض هذا الطريق، وهو تفضيله على الملائكة لاثبات خلافته، ثم أمرهم بالسجدة، ثم إسكان الجنة. والنهي عن قرب الشجرة المنهية حتى يأكلا منها فيبدو لهما سوآتهما فيهبطا إلى الأرض، فأخر العوامل للاستقرار في الأرض، وانتخاب الحياة الدنيوية ظهور السوأة، وهي العورة بقرينة قوله تعالى: وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة فهو التمايل الحيواني ويستلزم التغذي والنمو أيضا فما كان لإبليس هم إلا ابداء سوآتهما، وآدم وزوجته وإن كانا قد سواهما الله تعالى تسوية أرضية بشرية ثم أدخلهما الجنة لم يمكثا بعد التسوية، ولم يمهلا كثيرا، ليتم في الدنيا إدراكهما لسوءاتهما ولا لغيرها من لوازم الحياة الدنيا واحتياجاتها حتى أدخلهما الله الجنة، وانه إنما أدخلهما الله الجنة حين أدخلهما ولما ينفصلا ولما ينقطع إدراكهما عن عالم الروح والملائكة، والدليل على ذلك قوله تعالى: ليبدي لهما ما ووري عنهما ولم يقل ما كان ووري عنهما، وهو مشعر بأن مواراة السوأة ما كانت ممكنة في الحياة الدنيا استدامة وإنما تمشت دفعة ما واستعقب ذلك، إسكان الجنة فظهور السوأة كان مقضيا محتوما في الحياة الأرضية ومع أكل الشجرة، ولذلك قال تعالى: فلا يخرجنكما من الجنة فتشقي، وقال تعالى:
وأخرجهما مما كانا فيه وأيضا هو تعالى غفر خطيئتهما بعد ما تابا ولم يرجعهما إلى الجنة بل أهبطهما إلى الدنيا ليحييا فيها ولو لم تكن الحياة الأرضية مع أكل الشجرة وظهور السوأة حتما مقضيا، والرجوع إلى الجنة مع ذلك محالا، لرجعا إليها بعد حط الخطيئة، فالعامل في خروجهما من الجنة وهبوطهما هو الاكل من الشجرة وظهور السوأة، وكان ذلك بوسوسة الشيطان اللعين، وقد قال تعالى في سورة طه في صدر القصة: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما). ثم ساق تعالى القصة. فهل هذا العهد هو قوله تعالى: لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين؟
أو أنه قوله تعالى: ان هذا عدو لك ولزوجك أو أنه العهد بمعني الميثاق العمومي المأخوذ من جميع الانسان، ومن الأنبياء خاصة بوجه آكد وأغلظ.