واما قوله تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون) البقرة - 134، فالخطاب فيه متوجة إلى جميع الأمة ممن آمن بالنبي، أو من بعث إليه.
(بحث علمي) إذا رجعنا إلى قصة إبراهيم عليه السلام وسيره بولده وحرمته إلى أرض مكة، وإسكانهما هناك، وما جرى عليهما من الامر، حتى آل الامر، إلى ذبح إسماعيل وفدائه من جانب الله وبنائهما البيت، وجدنا القصة دورة كاملة من السير العبودي الذي يسير به العبد من موطن نفسه إلى قرب ربه، ومن أرض البعد إلى حظيرة القرب بالاعراض عن زخارف الدنيا، وملاذها، وأمانيها من جاه، ومال، ونساء وأولاد، والانقلاع والتخلص عن وسائس الشياطين، وتكديرهم صفو الاخلاص والاقبال والتوجه إلى مقام الرب ودار الكبرياء.
فها هي وقائع متفرقة مترتبة تسلسلت وتألفت قصة تاريخية تحكي عن سير عبودي من العبد إلى الله سبحانه وتشمل من أدب السير والطلب والحضور ورسوم الحب والوله والاخلاص على ما كلما زدت في تدبره إمعانا زادك استنارة ولمعانا.
ثم: إن الله سبحانه أمر خليله إبراهيم، أن يشرع للناس عمل الحج، كما قال (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق إلى آخر الآيات) الحج - 27، وما شرعه عليه السلام وان لم يكن معلوما لنا بجميع خصوصياته، لكنه كان شعارا دينيا عند العرب في الجاهلية إلى أن بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشرع فيه ما شرع ولم يخالف فيه ما شرعه إبراهيم إلا بالتكميل كما يدل عليه قوله تعالى: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا) الانعام - 161، وقوله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا، والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى، وعيسى) الشورى - 13.
وكيف كان فما شرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نسك الحج المشتمل على الاحرام والوقوف