(كلام في استناد مصنوعات الانسان إلى الله سبحانه) فما أغفل هؤلاء الذين يعدون الصناعيات من الأشياء التي يعملها الانسان مصنوعة مخلوقة للانسان مقطوعة النسبة عن إله العالم عز اسمه مستندين إلى أنها مخلوقة لإرادة الانسان واختياره.
فطائفة منهم - وهم أصحاب المادة من المنكرين لوجود الصانع - زعموا أن حجة الملليين في إثبات الصانع: أنهم وجدوا في الطبيعة حوادث وموجودات جهلوا عللها المادية ولزمهم من جهة القول بعموم قانون العلية والمعلولية في الأشياء والحوادث أن يحكموا بوجود عللها - وهي مجهولة لهم بعد - فأنتج ذلك القول بأن لهذه الحوادث المجهولة العلة علة مجهولة الكنه هي وراء عالم الطبيعة، وهو الله سبحانه، فالقول بأن الصانع موجود فرضية أوجب افتراضها ما وجده الانسان الأولى من الحوادث المادية المجهولة العلل كالحوادث الجوية وكثير من الحوادث الأرضية المجهولة العلل، وما وجده من الحوادث والخواص الروحية التي لم يكشف العلوم عن عللها المادية حتى اليوم.
قالوا: وقد وفق العلوم في تقدمها الحديث لحل المشكل في الحوادث المادية وكشفت عن عللها فأبطلت من هذه الفرضية أحد ركنيها وهو احتياج الحوادث المادية المجهولة العلل إلى علل ورائها، وبقي الركن الآخر وهو احتياج الحوادث الروحية إلى عللها، وانتهائها إلى علة مجردة، وتقدم البحث في الكيمياء الآلي جديدا يعدنا وعدا حسنا أن سيطلع الانسان على علل الروح ويقدر على صنعة الجراثيم الحيوية وتركيب أي موجود روحي وإيجاد أي خاصة روحية، وعند ذلك ينهدم أساس الفرضية المذكورة ويخلق الانسان في الطبيعة أي موجود شاء من الروحيات كما يخلق اليوم أي شئ شاء من الطبيعيات، وقد كان قبل اليوم لا يرضى أن ينسب الخلق إلا إلى علة مفروضة فيما وراء الطبيعة، حمله على افتراضها الجهل بعلل الحوادث، هذا ما ذكروه.
وهؤلاء المساكين لو أفاقوا قليلا من سكرة الغفلة والغرور لرأوا أن الإلهيين من أول ما أذعنوا بوجود إله للعالم - ولن يوجد له أول - أثبتوا هذه العلة الموجدة لجميع العالم، وبين اجزائه حوادث معلومة العلل - وفيها حوادث مجهولة العلل -