وخامسها: ان مزية أصحاب الصراط المستقيم على غيرهم، وكذا صراطهم على سبيل غيرهم، إنما هو بالعلم لا العمل، فلهم من العلم بمقام ربهم ما ليس لغيرهم، إذ قد تبين مما مر: ان العمل التام موجود في بعض السبل التي دون صراطهم، فلا يبقى لمزيتهم إلا العلم، واما ما هذا العلم؟ وكيف هو؟ فنبحث عنه إن شاء الله في قوله تعالى: (انزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) الرعد - 17.
ويشعر بهذا المعنى قوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة - 11، وكذا قوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) الملائكة - 10، فالذي يصعد إليه تعالى هو الكلم الطيب وهو الاعتقاد والعلم، واما العمل الصالح فشأنه رفع الكلم الطيب والامداد دون الصعود إليه تعالى، وسيجئ تمام البيان في البحث عن الآية.
(بحث روائي) في الكافي عن الصادق عليه السلام في معنى العبادة قال: العبادة ثلاثة: قوم عبدوا الله خوفا، فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الاجراء، وقوم عبدوا الله عز وجل حبا، فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة.
وفي نهج البلاغة: ان قوما عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة التجار، وان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وان قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.
وفي العلل والمجالس والخصال، عن الصادق عليه السلام: ان الناس يعبدون الله على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفا من النار فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة، ولكني اعبده حبا له عز وجل فتلك عبادة الكرام، لقوله عز وجل: (وهم من فزع يومئذ آمنون).
ولقوله عز وجل (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، فمن أحب الله عز وجل