بين صفا والمروة فريضة هي أم سنة؟ قال: فريضة، قلت: أليس الله يقول: فلا جناح عليه أن يطوف بهما؟ قال كان ذلك في عمرة القضاء، وذلك أن رسول الله كان شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام فتشاغل رجل من أصحابه حتى أعيدت الأصنام. قال: فأنزل الله، إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما، أي والأصنام عليها.
أقول: وعن الكافي ما يقرب منه.
وفي الكافي أيضا عن الصادق عليه السلام: في حديث حج النبي عليه السلام: بعد ما طاف بالبيت وصلى ركعتيه قال: صلى الله عليه وآله وسلم إن الصفا والمروة من شعائر الله فابدا بما بدا الله عز وجل، وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شئ صنعه المشركون فأنزل الله إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما.
أقول: ولا تنافي بين الروايتين في شأن النزول، وهو ظاهر، وقوله عليه السلام في الرواية فأبدا بما بدا الله ملاك التشريع، وقد مضى في حديث هاجر وسعيها سبع مرات بين الصفا والمروة أن السنة جرت بذلك.
وفي الدر المنثور: عن عامر الشعبي قال: كان وثن بالصفا يدعى إساف، ووثن بالمروة يدعى نائلة فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت يسعون بينهما ويمسحون الوثنين فلما قدم رسول الله عليه السلام قالوا: يا رسول الله إن الصفا والمروة انما كان يطاف بهما من أجل الوثنين، وليس الطواف بهما من الشعائر، فأنزل الله: إن الصفا والمروة الآية فذكر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه، وأثبت المروة من جهة الصنم الذي كان عليه موثبا. أقول: وقد روى الفريقان في المعاني السابقة روايات كثيرة.
ومقتضى جميع هذه الروايات أن الآية نزلت في تشريع السعي في سنة حج فيها المسلمون، وسورة البقرة أول سورة نزلت بالمدينة، ومن هنا يستنتج أن الآية غير متحدة السياق مع ما قبلها من آيات القبلة فإنها نزلت في السنة الثانية من الهجرة