له أن يجتلبها ويضمها إلى نفسه، والدليل على هذا الوجوب احتياجه في جهات وجوده وتجهيز الخلقة له بما يقوى به على ذلك، كجهاز التغذي وجهاز التناسل مثلا، فعلى الانسان أن يقدم عليه، وليس له أن لا يقدم قطعا بالتفريط فإنه يناقض دليل الوجوب الذي ذكرناه، وليس له أن يقدم في باب من أبواب الحاجة بما يزيد على اللازم بالافراط، مثل أن يأكل حتى يموت، أو يمرض، أو يتعطل عن سائر قواه الفعالة، بل عليه أن يتوسط في جلب كل كمال أو منفعة، وهذا التوسط هي العفة، وطرفاه الشره والخمود، وكذلك نرى الفرد في وجوده وبقائه متوسطا بين نواقص وأضداد ومضار لوجوده يجب عليه أن يدفعها، والدليل عليه الاحتياج والتجهيز في نفسه فيجب عليه المقاومة والدفاع على ما ينبغي من التوسط، من غير إفراط يضاد سائر تجهيزاته أو تفريط يضاد الاحتياج والتجهيز المربوطين، وهذا التوسط هي الشجاعة، وطرفاها التهور والجبن ونظير الكلام جار في العلم ومقابليه أعني الجربزة والبلادة، وفي العدالة ومقابليها وهما الظلم والانظلام.
فهذه أربع ملكات وفضائل يستدعيه الطبيعة الفردية المجهزة، بأدواتها: العفة والشجاعة، والحكمة، والعدالة - وهي كلها حسنة - لان معنى الحسن الملائمة لغاية الشئ وكماله وسعادته، وهي جميعا ملائمة مناسبة لسعادة الفرد بالدليل الذي تقدم ذكره، ومقابلاتها رذائل قبيحة، وإذا كان الفرد من الانسان بطبيعته وفي نفسه على هذا الوصف فهو في ظرف الاجتماع أيضا على هذا الوصف، وكيف يمكن أن يبطل الاجتماع - وهو من أحكام هذه الطبيعة - سائر أحكامها الوجودية؟ وهل هو إلا تناقض الطبيعة الواحدة، وليس حقيقة الاجتماع إلا تعاون الافراد في تسهيل الطريق إلى استكمال طبائعهم وبلوغها إلى غاية أمنيتها؟
وإذا كان الفرد من الانسان في نفسه وفي ظرف الاجتماع على هذا الوصف، فنوع الانسان في اجتماعه النوعي أيضا كذلك، فنوع الانسان في اجتماعه يستكمل بالدفاع بقدر ما لا يفسد الاجتماع وباجتلاب المنافع بقدر ما لا يفسد الاجتماع، وبالعلم بقدر ما لا يفسد الاجتماع، وبالعدالة الاجتماعية - وهي إعطاء كل ذي حق حقه، وبلوغه حظه الذي يليق به دون الظلم والانظلام - وكل هذه الخصال الأربع فضائل بحكم