شائعة في أسلوب القرآن، حيث ينفي كل كمال عن غيره تعالى، ثم يثبته لنفسه، ثم يثبته لغيره باذنه ومشيته، فتفيد ان الموجودات غيره تعالى لا تملك ما تملك من هذه الكمالات بنفسها واستقلالها، وإنما تملكها بتمليك الله لها إياها، حتى أن القرآن تثبت نوعا من المشية في ما حكم فيه وقضى عليه بقضاء حتم، كقوله تعالى: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك، إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) هود - 108، فقد علق الخلود بالمشية وخاصة في خلود الجنة مع حكمه بأن العطاء غير مجذوذ، اشعارا بأن قضائه تعالى بالخلود لا يخرج الامر من يده ولا يبطل سلطانه وملكه عز سلطانه كما يدل عليه قوله: (إن ربك فعال لما يريد) هود - 107، وبالجملة لا إعطاء هناك يخرج الامر من يده ويوجب له الفقر، ولا منع يضطره إلى حفظ ما منعه وإبطال سلطانه تعالى.
من هنا يظهر أن الآيات النافية للشفاعة، إن كانت ناظرة إلى يوم القيامة فإنما تنفيها عن غيره تعالى بمعنى الاستقلال في الملك، والآيات المثبتة تثبتها لله سبحانه بنحو الأصالة، ولغيره تعالى باذنه وتمليكه، فالشفاعة ثابتة لغيره تعالى باذنه فلننظر ما ذا يفيده كلامه في معنى الشفاعة ومتعلقها؟ وفيمن تجري؟ وممن تصح؟ ومتى تتحقق؟
وما نسبتها إلى العفو والمغفرة منه تعالى؟ ونحو ذلك في أمور.
(بيان) 1 - ما هي الشفاعة؟
الشفاعة على ما نعرف من معناها إجمالا بالقريحة المكتسبة من الاجتماع والتعاون و (هي من الشفع مقابل الوتر كأن الشفيع ينضم إلى الوسيلة الناقصة التي مع المستشفع فيصير به زوجا بعد ما كان فردا فيقوى على نيل ما يريده، لو لم يكن يناله وحده لنقص وسيلته وضعفها وقصورها) من الأمور التي نستعملها لانجاح المقاصد، ونستعين بها على حوائج الحياة، وجل الموارد التي نستعملها فيها اما مورد يقصد فيها جلب المنفعة والخير، وإما مورد يطلب فيها دفع المضرة والشر، لكن لا كل نفع وضرر،