ولجملة: المراد بالحياة في الآية الحياة الحقيقية دون التقديرية، وقد عد الله سبحانه حياة الكافر بعد موته هلاكا وبوارا في مواضع من كلامه، كقوله تعالى:
(واحلوا قومهم دار البوار) إبراهيم - 28، إلى غير ذلك من الآيات، فالحياة حياة السعادة، والاحياء بهذه الحياة المؤمنون خاصة كما قال: (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) العنكبوت - 64، وانما لم يعلموا، لان حواسهم مقصورة على ادراك خواص الحياة في المادة الدنيوية، وأما ما ورائها فإذا لم يدركوه لم يفرقوا بينه وبين الفناء فتوهموه فنائا، وما توهمه الوهم مشترك بين المؤمن والكافر في الدنيا، فلذلك قال: في هذه الآية، بل احياء ولكن لا تشعرون أي: بحواسكم، كما قال في الآية الأخرى: لهي الحيوان لو كانوا يعلمون، أي باليقين كما قال تعالى: (كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم) التكاثر - 6.
فمعنى الآية - والله أعلم - ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، ولا تعتقدوا فيهم الفناء والبطلان كما يفيده لفظ الموت عندكم، ومقابلته مع الحياة، وكما يعين على هذا القول حواسكم فليسوا بأموات بمعنى البطلان، بل احياء ولكن حواسكم لا تنال ذلك ولا تشعر به، وإلقاء هذا القول على المؤمنين - مع أنهم جميعا أو أكثرهم عالمون ببقاء حياة الانسان بعد الموت، وعدم بطلان ذاته - انما هو لايقاظهم وتنبيههم بما هو معلوم عندهم، يرتفع بالالتفات إليه الحرج عن صدورهم، والاضطراب والقلق عن قلوبهم إذا أصابتهم مصيبة القتل، فإنه لا يبقى مع ذلك من آثار القتل عند أولياء القتيل الا مفارقة في أيام قلائل في الدنيا وهو هين في قبال مرضاة الله سبحانه وما ناله القتيل من الحياة الطيبة، والنعمة المقيمة، ورضوان من الله أكبر، وهذا نظير خطاب النبي بمثل قوله تعالى: الحق من ربك فلا تكونن من الممترين الآية، مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم أول الموقنين بآيات ربه، ولكنه كلام كني به عن وضوح المطلب، وظهوره بحيث لا يقبل أي خطور نفساني لخلافه.
نشاة البرزخ فالآية تدل دلالة واضحة على حياة الانسان البرزخية، كالاية النظيرة لها وهى