(بيان) قوله تعالى: إن الله لا يستحيي أن يضرب، البعوضة الحيوان المعروف وهو من أصغر الحيوانات المحسوسة وهذه الآية والتي بعدها نظيرة ما في سورة الرعد (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمي إنما يتذكر أولوا الألباب. الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق. والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل) الرعد - 19، 20، 21. وكيف كان فالآية تشهد على أن من الضلال والعمى ما يلحق الانسان عقيب أعماله السيئة غير الضلال والعمى الذي له في نفسه ومن نفسه حيث يقول تعالى:
وما يضل به إلا الفاسقين، فقد جعل إضلاله في تلو الفسق لا متقدما عليه هذا.
ثم إن الهداية والاضلال كلمتان جامعتان لجميع أنواع الكرامة والخذلان التي ترد منه تعالى على عباده السعداء والأشقياء، فإن الله تعالى وصف في كلامه حال السعداء من عبادة بأنه يحييهم حياة طيبة، ويؤيدهم بروح الايمان، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويجعل لهم نورا يمشون به، وهو وليهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهو معهم يستجيب لهم إذا دعوه ويذكرهم إذا ذكروه، والملائكة تنزل عليهم بالبشرى والسلام إلى غير ذلك.
ووصف حال الأشقياء من عباده بأنه يضلهم ويخرجهم من النور إلى الظلمات ويختم على قلوبهم، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ويطمس وجوههم على أدبارهم ويجعل في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون، ويجعل من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فيغشاهم فهم لا يبصرون، ويقيض لهم شياطين قرناء يضلونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون، ويزينون لهم أعمالهم، وهم أوليائهم، ويستدرجهم الله من حيث لا يشعرون، ويملي لهم أن كيده متين، ويمكر بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون.
فهذه نبذة مما ذكره سبحانه من حال الفريقين وظاهرها أن للانسان في الدنيا وراء الحياة التي يعيش بها فيها حياة أخرى سعيدة أو شقية ذات أصول وأعراق يعيش بها فيها، وسيطلع ويقف عليها عند انقطاع الأسباب وارتفاع الحجاب، ويظهر