كما تقدم، ومع الآيات التي في مفتتح السورة، فإنها نزلت في السنة الأولى من الهجرة فللآيات سياقات متعددة كثيرة، لا سياق واحد.
إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون - 159. إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم - 160.
إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين - 161. خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون - 162. (بيان) قوله تعالى: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى، الظاهر - والله أعلم - أن المراد بالهدى ما تضمنه الدين الإلهي من المعارف والاحكام الذي يهدي تابعيه إلى السعادة، وبالبينات الآيات والحجج التي هي بينات وأدلة وشواهد على الحق الذي هو الهدى، فالبينات في كلامه تعالى وصف خاص بالآيات النازلة، وعلى هذا يكون المراد بالكتمان - وهو الاخفاء - أعم من كتمان أصل الآية، وعدم إظهاره للناس، أو كتمان دلالته بالتأويل أو صرف الدلالة بالتوجيه، كما كانت اليهود تصنع ببشارات النبوة ذلك فما يجهله الناس لا يظهرونه لهم، وما يعلم به الناس يؤولونه بصرفه عنه صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله تعالى: من بعد ما بيناه للناس، أفاد أن كتمانهم إنما هو بعد البيان والتبين للناس، لا لهم فقط، وذلك أن التبين لكل شخص شخص من أشخاص الناس أمر