على الطريقة المذكورة، فان كل ما فرض آية معجزة غير العلم والمعرفة فإنما هو موجود طبيعي أو حادث حسي محكوم بقوانين المادة محدود بالزمان والمكان فليس بمشهود إلا لبعض أفراد الانسان دون بعض ولو فرض محالا أو كالمحال عمومه لكل فرد منه فإنما يمكن في مكان دون جميع الأمكنة، ولو فرض اتساعه لكل مكان لم يمكن اتساعه لجميع الأزمنة والأوقات.
فهذا ما تحدى به القرآن تحديا عاما لكل فرد في كل مكان في كل زمان.
(تحديه بالعلم) وقد تحدى بالعلم والمعرفة خاصة بقوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) النحل - 89، وقوله (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) الانعام - 59، إلى غير ذلك من الآيات، فإن الاسلام كما يعلمه ويعرفه كل من سار في متن تعليماته من كلياته التي أعطاها القرآن وجزئياته التي أرجعها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بنحو قوله: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر - 7، وقوله تعالى: (لتحكم بين الناس بما أريك الله) النساء - 104، وغير ذلك متعرض للجليل والدقيق من المعارف الإلهية (الفلسفية) والأخلاق الفاضلة والقوانين الدينية الفرعية من عبادات ومعاملات وسياسات واجتماعيات وكل ما يمسه فعل الانسان وعمله، كل ذلك على أساس الفطرة وأصل التوحيد بحيث ترجع التفاصيل إلى أصل التوحيد بالتحليل، ويرجع الأصل إلى التفاصيل بالتركيب.
وقد بين بقائها جميعا وانطباقها على صلاح الانسان بمرور الدهور وكرورها بقوله تعالى: (وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) حم سجدة - 42. وقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر - 9، فهو كتاب لا يحكم عليه حاكم النسخ ولا يقضي عليه قانون التحول والتكامل.
فان قلت: قد استقرت أنظار الباحثين عن الاجتماع وعلماء التقنين اليوم على