الشنيع، وهو الحياء من شعب العفة أو لا يحكم بوجوب السخط وتغير النفس في هتك المقدسات وهضم الحقوق، وهو الغيرة من شعب الشجاعة، أو لا يحكم بوجوب الاقتصار على ما للانسان من الحقوق الاجتماعية، وهو القناعة أو لا يحكم بوجوب حفظ النفس في موقعها الاجتماعي من غير دحض الناس وتحقيرهم بالاستكبار والبغي بغير الحق، وهو التواضع؟ وهكذا الامر في كل واحد واحد من فروع الفضائل.
وأما ما يزعمونه من اختلاف الانظار في الاجتماعات المختلفة في خصوص الفضائل وصيرورة الخلق الواحد فضيلة عند قوم رذيلة عند آخرين في أمثلة جزئية فليس من جهة اختلاف النظر في الحكم الاجتماعي بأن يعتقد قوم بوجوب اتباع الفضيلة الحسنة وآخرون بعدم وجوبه بل من جهة الاختلاف في انطباق الحكم على المصداق وعدم انطباقه.
مثل إن الاجتماعات التي كانت تديرها الحكومات المستبدة كانت تري لعرش الملك الاختيار التام في أن يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وليس ذلك لسوء ظنهم بالعدالة بل لاعتقادهم بأنه من حقوق السلطنة والملك فلم يكن ذلك ظلما من مقام السلطنة بل إيفاء بحقوقه الحقة بزعمهم.
ومثل أن العلم كان يعير به الملوك في بعض الاجتماعات، كما يحكى عن ملة فرنسا في القرون الوسطى، ولم يكن ذلك لتحقيرهم فضيلة العلم، بل لزعمهم أن العلم بالسياسة وفنون إدارة الحكومة يضاد المشاغل السلطانية.
ومثل أن عفة النساء بمعنى حفظ البضع من غير الزوج، وكذا الحياء من النساء وكذا الغيرة من رجالهن، وكذا عدة من الفضائل كالقناعة والتواضع أخلاق لا يذعن بفضلها في بعض الاجتماعات، لكن ذلك منهم لان اجتماعهم الخاص لا يعدها مصاديق للعفة والحياء والغيرة والقناعة والتواضع، لا لان هذه الفضائل ليست فضائل عندهم.
والدليل على ذلك وجود أصلها عندهم، فهم يمدحون عفة الحاكم في (زكمه والقاضي في قضائه، ويمدحون الاستحياء من مخالفة القوانين، ويمدحون الغيرة للدفاع عن الاستقلال والحضارة وعن جميع مقدساتهم، ويمدحون القناعة بما عينه القانون من الحقوق لهم، ويمدحون التواضع لأئمتهم وهداتهم في الاجتماع.