شيئا جعلت أنواع المحامد لله عز وجل، فما من حمد الا وهو داخل فيها.
قلت: وفي العيون عن علي عليه السلام: انه سئل عن تفسيرها فقال: هو ان الله عرف عباده بعض نعمه عليهم جملا إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف، فقال: قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا.
أقول: يشير عليه السلام إلى ما مر من أن الحمد، من العبد وانما ذكره الله بالنيابة تأديبا وتعليما.
(بحث فلسفي) البراهين العقلية ناهضة على أن استقلال المعلول وكل شأن من شؤونه انما هو بالعلة، وان كل ما له من كمال فهو من اظلال وجود علته، فلو كان للحسن والجمال حقيقة في الوجود فكماله واستقلاله للواجب تعالى لأنه العلة التي ينتهي إليه جميع العلل، والثناء والحمد هو اظهار موجود ما بوجوده كمال موجود آخر وهو لا محالة علته، وإذا كان كل كمال ينتهي إليه تعالى فحقيقة كل ثناء وحمد تعود وتنتهى إليه تعالى، فالحمد لله رب العالمين.
قوله تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين الآية، العبد هو المملوك من الانسان أو من كل ذي شعور بتجريد المعنى كما يعطيه قوله تعالى: (إن كل من في السماوات والأرض إلا اتي الرحمن عبدا) مريم - 93. والعبادة مأخوذة منه وربما تفرقت اشتقاقاتها أو المعاني المستعملة هي فيها لاختلاف الموارد، وما ذكره الجوهري في الصحاح أن أصل العبودية الخضوع فهو من باب الاخذ بلازم المعنى وإلا فالخضوع متعد باللام والعبادة متعدية بنفسها.
وبالجملة فكأن العبادة هي نصب العبد نفسه في مقام المملوكية لربه ولذلك كانت العبادة منافية للاستكبار وغير منافية للاشتراك فمن الجائزان يشترك أزيد من الواحد في ملك رقبة أو في عبادة عبد، قال تعالى: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) غافر - 60 وقال تعالى: (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) الكهف - 110