لا خلافة نوع من الموجود الأرضي كانوا في الأرض قبل الانسان وانقرضوا ثم أراد الله تعالى أن يخلفهم بالانسان كما احتمله بعض المفسرين، وذلك لان الجواب الذي أجاب سبحانه به عنهم وهو تعليم آدم الأسماء لا يناسب ذلك، وعلى هذا فالخلافة غير مقصورة على شخص آدم عليه السلام بل بنوه يشاركونه فيها من غير إختصاص، ويكون معنى تعليم الأسماء إيداع هذا العلم في الانسان بحيث يظهر منه آثاره تدريجا دائما ولو اهتدى إلى السبيل أمكنه أن يخرجه من القوة إلى الفعل، ويؤيد عموم الخلافة قوله تعالى (إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) الأعراف - 69، وقوله تعالى (ثم جعلناكم خلائف في الأرض) يونس - 14، وقوله تعالى (ويجعلكم خلفاء الأرض) النحل - 62.
وثانيا: إنه سبحانه لم ينف عن خليفة الأرض الفساد وسفك الدماء، ولا كذب الملائكة في دعواهم التسبيح والتقديس، وقررهم على ما ادعوا، بل انما أبدا شيئا آخر وهو أن هناك أمرا لا يقدر الملائكة على حمله ولا تتحمله ويتحمله هذا الخليفة الأرضي فإنه يحكي عن الله سبحانه أمرا ويتحمل منه سرا ليس في وسع الملائكة، ولا محالة يتدارك بذلك أمر الفساد وسفك الدماء، وقد بدل سبحانه قوله: قال إني أعلم مالا تعلمون ثانيا بقوله: ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض، والمراد بهذا الغيب هو الأسماء لا علم آدم بها فإن الملائكة ما كانت تعلم أن هناك أسماء لا يعلمونها، لا أنهم كانوا يعلمون وجود أسماء كذلك ويجهلون من آدم أنه يعلمها، وإلا لما كان لسؤاله تعالى إياهم عن الأسماء وجه وهو ظاهر بل كان حق المقام أن يقتصر بقوله: قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم حتى يتبين لهم أن آدم يعلمها لا أن يسئل الملائكة عن ذلك، فإن هذا السياق يعطي أنهم ادعوا الخلافة وأذعنوا بانتفائها عن آدم وكان اللازم أن يعلم الخليفة بالأسماء فسئلهم عن الأسماء فجهلوها وعلمها آدم، فثبت بذلك لياقته لها وانتفائها عنهم، وقد ذيل سبحانه السؤال بقوله: إن كنتم صادقين، وهو مشعر بأنهم كانوا ادعوا شيئا كان لازمه العلم بالأسماء.
وقوله تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم، مشعر بأن هذه الأسماء أو أن مسمياتها كانوا موجودات أحياء عقلاء، محجوبين تحت حجاب الغيب وأن العلم بأسمائهم كان غير نحو العلم الذي عندنا بأسماء الأشياء، وإلا كانت الملائكة بأنباء آدم إياهم بها