وخامسا: أن لزوم الشعور والعلم في مورد الحب إنما هو بحسب المصداق وإلا فالتعلق الوجودي الذي هو حقيقة الحب لا يتوقف عليه من حيث هو، ومن هنا يظهر أن القوى والمبادي الطبيعية غير الشاعرة لها حب بآثارها وأفعالها.
وسادسا: يستنتج مما مر أن الحب حقيقة سارية في الموجودات.
(بحث فلسفي آخر) مسألة انقطاع العذاب والخلود مما اختلف فيه أنظار الباحثين من حيث النظر العقلي ومن جهة الظواهر اللفظية.
والذي يمكن أن يقال: أما من جهة الظواهر، فالكتاب نص في الخلود، قال تعالى: (وما هم بخارجين من النار الآية) والسنة من طرق أئمة أهل البيت مستفيضة فيه، وقد ورد من غير طريقهم أخبار في الانقطاع ونفى الخلود، وهي مطروحة بمخالفة الكتاب.
وأما من جهة العقل فقد ذكرنا فيما تقدم من البحث في ذيل قوله تعالى:
(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) البقرة - 48، أن الاستدلال على خصوصيات ما جاء به الشرع في المعاد بالمقدمات الكلية العقلية غير مقدور لنا لان العقل لا ينال الجزئيات، والسبيل فيه تصديق ما جاء به النبي الصادق من طريق الوحي للبرهان على صدقه.
وأما النعمة والعذاب العقليان الطارئان على النفس من جهة تجردها وتخلقها بأخلاق وملكات فاضلة أو ردية أو اكتسائها وتلبسها بأحوال حسنة جميلة أو قبيحة فقد عرفت أن هذه الأحوال والملكات تظهر للنفس بما لها من صورة القبح أو الحسن فتنعم بما هي حسنة منها إن كانت ذاتها سعيدة وتعذب بما هي قبيحة مشوهة منها، سواء كانت ذاتها سعيدة أو شقية.
وأن ما كانت من هذه الصور صورا غير راسخة للنفس وغير ملائمة لذاتها فإنها ستزول لان القسر لا يكون دائميا ولا أكثريا، وهذه النفس هي النفس السعيدة ذاتا وعليها هيئات شقية ردية ممكنة الزوال عنها كالنفس المؤمنة المجرمة، وهذا كله ظاهر.