التحدي بالبلاغة وقد تحدى القرآن بالبلاغة كقوله تعالى: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما إنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون) هود - 13، 14.
والآية مكية، وقوله تعالى: (أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله) يونس - 38، 39. والآية أيضا مكية وفيها التحدي بالنظم والبلاغة فإن ذلك هو الشأن الظاهر من شؤون العرب المخاطبين بالآيات يومئذ، فالتاريخ لا يرتاب أن العرب العرباء بلغت من البلاغة في الكلام مبلغا لم يذكره التاريخ لواحدة من الأمم المتقدمة عليهم والمتأخرة عنهم ووطئوا موطئا لم تطأه أقدام غيرهم في كمال البيان وجزالة النظم ووفاء اللفظ ورعاية المقام وسهولة المنطق. وقد تحدى عليهم القرآن بكل تحد ممكن مما يثير الحمية ويوقد نار الانفة والعصبية. وحالهم في الغرور ببضاعتهم والاستكبار عن الخضوع للغير في صناعتهم مما لا يرتاب فيه، وقد طالت مدة التحدي وتمادى زمان الاستنهاض فلم يجيبوه إلا بالتجافي ولم يزدهم إلا العجز ولم يكن منهم إلا الاستخفاء والفرار، كما قال تعالى: (الا انهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون) هود - 5.
وقد مضى من القرون والاحقاب ما يبلغ أربعة عشر قرنا ولم يأت بما يناظره آت ولم يعارضه أحد بشئ إلا أخزى نفسه وافتضح في أمره.
وقد ضبط النقل بعض هذه المعارضات والمناقشات، فهذا مسيلمة عارض سورة الفيل بقوله: (الفيل ما الفيل وما أدريك ما الفيل له ذنب وبيل وخرطوم طويل) وفي كلام له في الوحي يخاطب السجاح النبية (فنولجه فيكن إيلاجا، ونخرجه منكن إخراجا) فانظر إلى هذه الهذيانات واعتبر، وهذه سورة عارض بها الفاتحة بعض النصارى (الحمد للرحمن. رب الأكوان الملك الديان. لك العبادة وبك المستعان اهدنا صراط الايمان) إلى غير ذلك من التقولات.